الأربعاء 2018/02/14

آخر تحديث: 00:14 (بيروت)

في عيد الحب: هديتي ليست لي

الأربعاء 2018/02/14
في عيد الحب: هديتي ليست لي
توالى عيد الحُبّ وميلادي سنةً بعد أخرى (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لا فرق بين عيد ميلادي وعيد الحبّ. يفصل بينهما سبعةُ أيّام. ولدتُ في 7 شباط. أضربُ تاريخ ميلادي بإثنين، فأحصل على تاريخ الحبّ، 14 شباط. أُحبُّ الفارق بينهما، وأمقته كذلك. أجد تاريخهما ثنائيّاً جميلاً. سبعة، علامة النصر الذي ما زلت أبحث عنه. وأربعة عشر، هو نتيجة جمع سبعتيّن. كأنّ في الحبِّ نصرين، وإن كان رقميّاً فحسب.

الفارق الجميل ثقيلٌ أيضاً. ليس لأنّه كان يحتفل بي مرّةً واحدةً. فهذا الفاصل الحسابي، بين عيد ميلادي وعيد الحبّ، كنّا نحسبه تميّزاً فريداً في علاقتنا. الأفضليّة لعيد ميلادي. هكذا كان العرف بيننا.

في 7 شباط، يأتي حاملاً هديّته في جيب معطفه. يتصيّد لحظة انشغالي بترتيب خزانتنا مثلاً. يمسكني من يدي، وبيده الأخرى يرفع وجهي نحوه. كان ينتظر بريق الدهشة حتّى يلمع في عينيّ، فهو يُحبّه ويرضيه. ثم يهمس ليخبرني أنّ عيد ميلادي هو عيدُ الحُبّ بالنسبة اليه.

يسحب هديّته على مهلٍ، من دون أن يزيح نظره، محاولاً فهم تعابير وجهي. آخذ علبته الحمراء منه، أفتحها على مهلٍ أيضاً، بيديّن ترتجفان من البرد. أسمع صوت قلبي يخفق خوفاً من الخيبة. لا أريد أنّ تكون الهديّة نفسها.

لكنّها كذلك، قطعة جديدة من الذهب.

أوّل عيد ميلادٍ وحُبٍّ جمعنا، أهداني سلسالاً ذهبيّاً يتدلّى منه قلبان. قلبٌ كبيرٌ محفورٌ اسمي عليه بالأحرف اللاتينيّة، يحملُ في أسفله قلباً صغيراً حُفِرَ اسمه عليه بالأحرف نفسها. كانت أول وآخر هديّةٍ أدهشتني.

فرحتُ بهديّته. ليستْ لأنّها ذهباً، بل لأنّني وجدتُ فيها معنى واعترافاً. فهو كان يُدركُ أنّ قلبي أكبر من قلبه.

توالى عيد الحُبّ وميلادي سنةً بعد أخرى. وفي كلّ مرّةٍ، كان المشهدُ نفسه يتكرر. يُباغتني فجأةً، ويهديني علبةً حمراء في داخلها قطعة من الذهب. لكنّ الفارق، أنّها لم تعد مثل أول هدّية. لا تحمل معنى واعترافاً. امتلأ صندوقي الصغير بالأساور والخواتم والحلق والسلاسل. تحوّل إلى صندوقٍ أصفر ثمين، وهو يعرف أنّني لا أحبّ الحلي الأصفر.

كنتُ أشتهي منه هديّة تشعل الحواس وتجعلها من لهب. طلب أن يحتفظ بالصندوق معه، حتّى لا يضيع منّي.

أربكني غموضه. كنتُ أحاول فهم إصراره على إهدائي قطعاً ذهيبة، ثمّ يأخذها منّي ليُخبئها. وجدتُ في ذلك لغزاً، من دون أن أتجرأ على مصارحته. أخبرته مرّاتٍ عدّة عن أسماء عطورٍ أحبّها، وتسحره. وأنّني أفضّلُ أحياناً الأشياء الزهيدة التي تحمل بصمة حبٍّ أبديّة. لكنّه لم يكترث.

في آخر عيد حُبٍّ وميلادٍ جمعنا، أيّ قبل أربع سنوات، دعاني إلى العشاء خارج المنزل. عاد بريق الدهشة إلى عيني. ظننتُ أنّه غيّر عادته وأنّ ثمّة مفاجأة تنتظرني هناك. لكنّها الخيبة. انتهى العشاء مع خذلانٍ جديدٍ في التوقعات. آثرتُ الصمت طوال طريق عودتنا. شعرتُ أنّ مبالغتي في الأناقة لهذا العشاء، كانت ساذجة وحمقاء.

عند وصولنا إلى البيت، هرعتُ نحو السرير على الفور. كنتُ أحتاج إلى النوم حتّى لا أكسر صمتي. أخفيتُ وجهي بيدي اليمنى، ويدي اليسرى تسللت تحت الوسادة، وإذا بها تتفاجأ بعلبةٍ حمراء فيها قلادة ذهبيّة!

لم أستطع إدعاء الدهشة هذه المرّة. طبعتُ قبلةً على وجهه، لسعته برودتها. تكثّفت الأسئلة في رأسي، وفرّت دمعة من عيني قبل أن أغفو.

عند فراقنا، مثل كلّ شيء أخذه، لم أستطع الحصول على صندوقي الأصفر الذي صرتُ أكرهه. لقد كان في خزنته التي أجهل كلمة سرّها.

فعيدُ ميلادي معه، لم يكن عيداً للحُبّ.. وهديته لم تكن لي، إنّما له.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها