حب من طرف واحد

لا يولد الحب بالضرورة نتيجة إصابة شخصين بسهم "كيوبيد". بل يكفي أن يصاب شخص واحد بالسهم حتى يدخل الدوامة. قد يُصوّر الحب من طرف واحد في المسلسلات على أنه حالة مأساوية أو مَرَضية تدفع المحب إلى محاولة تملك المحبوب وعرقلة كل محاولة له للارتباط بغيره.

لكن، الحب من طرف واحد قد يكون من أسمى المشاعر وأصدقها. فهو ينمو ويتعمق من دون هدف أو مقابل. وهو يفضي، في أغلب الأحيان، إلى رغبة المحب برؤية محبوبه سعيداً، ولو كان ذلك على حساب سعادته بسبب يأسه من الوصول إليه ربما. كما لا يمكن اختصار هذا النوع من الحب بالألم، إذ إن لذّة الإحساس نفسه وتعقّد الحالة مكونان أساسيان لاستمراره.

تأتي لذة الحب من طرف واحد من الإنتظار. الإنتظار متعب، لكنه مليء بالشوق. ما يجعل من دقائق معدودة في لقاء قصير أو صدفة سبباً كافياً لجلب السعادة إلى القلب المحب، لا ليوم واحد فقط، بل لأيام عدة. والإنتظار في هذه الحالة مقرون بالأمل ومحاولات كثيرة لترتيب صدف تضفي على حياة المحب طابع المغامرة والمطاردة.. والأدرينالين.

الحب من طرف واحد لا يجد لنفسه متنفساً. ينحبس في القلب والرأس والأوردة، فلا يخرج بكلمات أو عناقات أو قبلات. إنه خيالات واهية تزيد الشوق والرغبة بلقاء المحبوب. وهو إن وجد له طريقاً للتعبير، فمن خلال نظرات لا يمكن للمحب أن يراها أو يحبسها، فتدخل كالسهام إلى قلب المحبوب، الذي قد يتأثر بها، ربما، ليومين اثنين.

قد يستمر المحب في حب محبوبه لبضع سنوات بغض النظر عن بُعد المحبوب أو قربه. يصفه الأصدقاء مرضاً أو هوساً، وقد يحاولون اخراجه من حالته هذه من خلال سلسلة نصائح لا تنفع. في مرات كثيرة، من دون وعي المحب لذلك، تكون حالة العشق هذه، على ألمها، حاجة ضرورية وسبباً للإستيقاظ في اليوم التالي والاستمرار أو حتى الإبداع. ورغم ما يشكّله الوهم من عنصر أساسي في هذه الحالة، لكنه في الوقت نفسه يزيد من التعلق بالحالة نفسها بغض النظر عن التعلق بالمحبوب. كما أن الحالة التي يعيشها المحب تجعله عاشقاً محسوباً على العشاق الذين يُكرمون في عيد الحب، ويحصلون على التضامن في الأغاني والقصائد واللوحات الفنية. فلم التنازل عن كل هذه الامتيازات؟

قد يبوح المحب لحبيبه بمشاعره ضعفاً أو رغبةً منه بترسيم العلاقة بشكل أوضح. لكن المحب قد يسقط في دوامة من الألم إن وُجه بالقسوة أو التلاعب. كونوا واضحين مع من يحبكم من دون التقليل من مشاعره. ولا تحاولوا التلذذ بمشاعره مؤقتاً، فذلك يطفئ الروح ويفقد المحب كثيراً من مشاعره الجميلة. تحملوا بوحه المستمر بعد المرة الأولى، وإصراره وتكراره وتشبثه بكم، من دون أن توهموه بما لا تشعرون به، لأنكم ستكونون يوماً المحبين غير المحبوبين.