الجمعة 2018/01/05

آخر تحديث: 12:18 (بيروت)

أبو حسن: سر أطيب حلويات في طرابلس

الجمعة 2018/01/05
أبو حسن: سر أطيب حلويات في طرابلس
يبقى هاجس أبو حسن الوحيد هو "النظافة" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

على حائط مستشفى شاهين في ساحة التلّ في طرابلس، يجلس جلال طالب المعروف بـ"أبو حسن" أمام عربته منذ أكثر من 25 عاماً. هذه العربة مثل وجه صاحبها، أشهر من نارٍ على علم في المدينة. الكلّ يعرفها ويقصدها. ورغم بساطتها المعهودة التي لم يطرأ عليها أي تعديل خلال هذه السنوات، تُضاهي بشهرتها أكبر محال الحلويات الفاخرة.

كلّ يوم، يجرُّ أبو حسن عربته إلى النقطة نفسها. لا يزيح عن مكانه ميلاً واحداً منذ الصباح وحتّى المساء. يضعُ كُرسيّه الخشبي، ويجلس أمام عربته المحميّة بسقفٍ صغير، يقي البضاعة من أشعة الشمس صيفاً ومن المطر شتاءً. تحت هذا السقف، يمدُّ أبو حسن أواني اللوزيّة والسمسميّة والبندقيّة والفستقيّة والعبيديّة والجذريّة، والبندق والفستق واللوز مع الشوكولا وكوكتيل المكسرات، وأصنافاً كثيرة غيرها إلى جانب ميزانٍ حديديٍّ قديم، وأكياسٍ معلّقة مع علبٍ كرتونيّة.

"لي بدوق بيعرف". عبارةٌ يرفعها شعاراً لمنتجاته ويقولها واثقاً. يُجمع زبائن أبو حسن، من طرابلس وخارجها، أن أحداً لا يستطيع منافسته في هذا الصنف العربي من الحلويات، لا في الطعم ولا الجودة. "تربطني مع زبائني علاقة ثقة ومحبة. أعتزُّ بهم، وكذلك أعتزُّ بمن هم خارج المدينة الذين يقصدونني، وتحديداً من صيدا التي تشتهر بهذه الأصناف، لكنّ زبائني منها يشهدون أن منتجاتي هي الألذ والأطيب".

يفرح زبائن أبو حسن حين يُقدم على ضيافتهم وهو يسـأل: "شو بتحب تدوق قطعة أنا وعم عبيلك؟". يرفع بيده غطاء النايلون بتأنٍ، وبيدٍ أخرى يسحب قطعة بسرعة البرق قبل أن يُحكم إغلاق الصينيّة من جديد. يعطيها لزبونه فرحاً: "دوق دوق". ويزداد فرحه حين يسمع "قرقشة" القطعة بين أسنان آكلها.

لم يرثْ أبو حسن المصلحة من والده، إنّما من جدّه. "كان جدي وهيب يبيع قضاميّة وعبيديّة. كنت أسير معه وهو يلف المدينة منادياً بأعلى صوت: طَيِّبها. كنتُ شغوفاً بعمله، ومعجباً بمحبة الناس للقمته". في كلِّ مرة كان أبو حسن يطلب من جدّه تعليمه سرّ المصلحة، يردد الجواب نفسه: "بس موت اشتغل فيها، وسأترك لك على ورقة مقاديرها لترثها من بعدي".

في أوائل الثمانينات، توفي الجدّ الذي وفى بوعده لحفيده، وترك له ورقة المقادير. لكنّ أبو حسن الذي حرص على إحياء إرث جدّه، لم يكتفِ بالأصناف التي تعلمها منه. "أحب الابتكار الذي يترك بصمتي الخاصة والفريدة على الطعم. فهذا النوع من الحلوى أبواب خياراته واسعة".

لا يملك أبو حسن مصنعاً ليُحضرُ فيه منتجاته. بيته مصنعه. وجلّ ما يحتاج إليه، هو المكسرات على أنواعها، السكر الفرنسي وفرن مشتعل وحام. "كلّ بضاعتي باب أول وذات جودةٍ عاليّة، ويشهد زبائني على ذلك". في كلّ مساء، يُحضّر أبو حسن طبخة اليوم التالي، وأحياناً يكتفي بتحضير النواقص. فـ"هذه الحلوى كلّما عتقت جوهر طعمها".

يصف أبو حسن نفسه بـ"العصامي والمكافح"، الذي استطاع تربية أولاده الثمانية وتعليمهم من مردود هذه العربة. "إنّها صغيرة ومفعولها كبير. استطاعت أن تجذب زبائن من خارج لبنان، الذي يوصون أقاربهم على شراء بضعة كيلوغرامات وإرسالها اليهم".

يؤمن أبو حسن أن البلد لا يخلو من الشطار وأبناء المصلحة. لكنّه يُرجع سرّ نجاحه إلى مبدأي: الحبِّ والبساطة. "أحبًّ عملي وبسيطٌ في الترويج له. أؤمن أن النجاح لا يحتاج دوماً إلى رأس مالٍ كبير. فالعزيمة والإصرار هما رأس مالي الذي أملكه". وأبو حسن يبدو في الوقت نفسه مثل جدّه. فهو يرفض أن يعطي أحداً مقادير "الطبخات"، لأن لذلك بالنسبة اليه ثمنه غالي. "لقد كان جدّي مُحقاً في حرصه على تفرّده بالمصلحة".

يبقى هاجس أبو حسن الوحيد هو "النظافة" التي اشتهر بها. حتّى أنّ عدداً من زبائنه يلقبونه بـ"أبو حسن النظيف". ويقول: "أخاف على بضاعتي من نسمة هواءٍ قد تحمل جراثيم تلوّثها". ولو حرص الجميع على ذلك من تجارٍ وأصحاب محال غذائيّة، "لما استشرت كلّ هذه الأمراض".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها