الثلاثاء 2018/01/16

آخر تحديث: 13:05 (بيروت)

احذروا: هذه الطائفة تنسّبكم إليها دون علمكم

الثلاثاء 2018/01/16
احذروا: هذه الطائفة تنسّبكم إليها دون علمكم
تفسيرات فنتازية للعهدين القديم والجديد (Getty)
increase حجم الخط decrease

تدّعي ملة المورمون Mormons الأميركية أن عدد أتباعها لا يقل عن 500 مليون شخص من أنحاء العالم. لكنّ الاحصاءات الرسمية تشير إلى أن تعدادهم لا يتجاوز 14 مليوناً في العالم. فكيف يُفسر الفارق؟ في الواقع، يعمدون إلى تعميد أموات لم يسمعوا حتى باسم مورمون في حياتهم.

وذلك ما دعاهم إلى تطوير نظام فريد للحصول على معلومات الأحوال المدنية من البلدان كلها، وتدوينها وحفظها في مغارة منيعة محفورة في الجبل. فالملة تحتفظ بأي شهادة ميلاد أو زواج أو وفاة يمكن الحصول عليها، من أي بلد، بدعوى تعميد الأموات "بما فيه خلاص أرواحهم"، حسب زعمها. لذا، لا يستبعد أن يكون اسم أي منا محفوظاً عندهم، مع تاريخ ميلاده وزواجه ولاحقاً وفاته، وبياناته الأخرى.

يقول كهنة الملة إن أي إشارة تكفي لاختيار أحد المتوفين الموثقة بياناته عندهم، وجعله واحداً من أفرادها "لكي تكون الجنة مأواه". ومن تلك الإشارات، مثلاً، أن يطلب أحد أولاده، أو أحفاده أو أحفاد أحفاده، تعميده، أو أن تتفرد شهادة ميلاد المعني أو وفاته بأرقام ودلالات خاصة. ما يجيز تفسيرها على أنها "طلب منه" بالانضواء إلى صفوفهم. سمعنا في بعض البلدان عن عمليات تزوير انتخابية عن طريق التصويت لناخبين ماتوا من زمان. أما المورمون، فابتدعوا اعتناق الراحلين بدعة لم يسمعوا بها في حياتهم.

قد يسأل سائل: كيف يحصلون على معلومات الأحوال المدنية العملاقة تلك، التي تخص حسب التقديرات أكثر من 2.5 مليار نسمة من أرجاء المعمورة؟ ثمة عاملان مكنا "كنيسة يسوع المسيح لقديسي آخر أيام" (اسم الملة الرسمي) من جمع تلك المعلومات وتوثيقها بأحدث الوسائل الالكترونية.

العامل الأول هو سعي أفراد الملة إلى جمع تلك المعطيات في بلدانهم. وهو أمر هيّن نسبياً. إذ يكفي، مثلاً، نقل إعلانات الصحف والمجلات في أبواب "وفيات وتعاز"، والاطلاع على ملفات المستشفيات والمقابر ودوائر الأحوال المدنية نفسها. وإذ شرعت الدول خدمة العلم الإلزامية، فرضت الملة على أتباعها خدمة "الدين" الإلزامية. فعلى كل منهم نذر عامين إلى 5 أعوام للتبشير بمذهب سميث (المؤسس)، والاحتكاك بالسكان "لكسبهم"، وجمع معلومات الأحوال المدنية وإيصالها إلى سولت ليك سيتي، التي تمتلك أكبر مصرف معلومات في العالم.


والعامل الثاني هو أن بعض الحكومات تغض النظر عن هذه الممارسة، بل تشجعها خفية لقاء الاستفادة من المعلومات المسجلة، ناهيكم عن تغلغل بعض أفراد الملة في بعض الإدارات والحكومات الغربية. فواشنطن، مثلاً، رأت في ذلك وسيلة استخباراتية فاعلة ومجانية، حيث تتولى الملة على عاتقها جمع معلومات قيمة عن هويات الناس، وأحسابهم وأنسابهم. وتعرض الملة قسماً من المعلومات على موقعها الالكتروني، الذي يزوره التواقون إلى التقصي عن شجراتهم العائلية.

فمن أين جاء "المرامنة"؟

في العام 1830، أسس جوزيف سميث الملة في الولايات المتحدة الأميركية. وكغيره من دجالي الملل والنحل، ادّعى "النبوة"، وأكد أن الملاك موروني نزل عليه وأوحاه "ديانة" جديدة، تحلل تعدد الزوجات، بل تحض عليه. لكن الملة، التي سميت في البداية "كنيسة المسيح"، لم تظهر في ولاية يوتا النائية، إنما في مقاطعة وندسور، على ضفاف بحيرة أونتاريو، في ولاية نيويورك. إذ كانت أسرة جوزيف سميث، المهاجرة من بريطانيا، قد استقرت هناك، في ربوع "إنكلترا الجديدة".

ففي القرن 19، احتدم الجدل بين أطراف "المرجعيات" البروتستانتية الأميركية. وتعمق الخلاف بين تيارات متعددة، تمثلت في الكنائس "المشيخانية" و"المعمدانية" و"الأنغليكانية" (أو "الملائكية")، و"الميثودية" (أو "الطرائقية")، وغيرها. وادعى كل جانب أنه على حق.

في خضم ذلك اللغط والتعصب وتفاقم النعرة الطائفية، ولد جوزيف سميث في العام 1805 في ولاية ڨيرمونت. وفي سن 15، بدأ يتساءل "مَن على حق؟"، مثلما ذكر في كتاب "لؤلؤة الجائزة الكبرى"، أحد مراجع الملة الأربعة. وزعم أنه ذهب إلى غابة للتأمل سعياً إلى إيجاد جواب لتساؤله، "فتلألأ عامود ضوئي فوقه فجأة، وانبرى منه كائنان لهما هيبة تعيي اللسان والبيان، فأوعزا إليه أن تلك الطوائف كلها في الضلالة، وأن زعماءها فاسدون، وأوصياه ألا يتبع أياً منها".


وذكر سميث أنه قصّ ما "جرى" لقسيس، فنهره متهماً إياه باتباع الشيطان. أضاف أنه تعرض إثرها للاضطهاد والتنكيل من الطوائف كافة، ومن مسؤولين كبار، رغم كونه مجرد مراهق وقتها. وبعد سنوات، حسب دعواه، زاره "الملاك موروني" فأوعز إليه الدعوة إلى "دين" جديد، وأعلمه أن سكان أميركا الأصليين كتبوا الإنجيل الحق على صفيحتين من الذهب، معهما حجران، ادعى أنه وجدها بعد 4 سنوات مدفونة في وادي كمورا. وقال إنه ترجم الكتابة المنقوشة "بقدرة إلهية"، فعرض الترجمة على بروفسور من جامعة كولومبيا، فصادق عليها. لكن الأستاذ المعني اضطر إلى نشر تكذيب أكد فيه أن تلك الكتابات لم تكن غير تقليد سخيف لمقاطع هيروغليفية وأحرف عبرية وعربية غير ذات معنى.

روى سميث خزعبلات مماثلة في كتاب "تاريخ الكنيسة الوثائقي"، أحد مراجع الملة، ومنها أن يوحنا المعمدان ظهر عليه في غابة وهو برفقة صديقين. وفي العام 1830، أعلن مع خمسة أشخاص، سماهم "حواريين"، انبثاق "الكنيسة المورمونية" في ولاية نيويورك. وإزاء ريبة السكان وعدائهم، هاجرت المجموعة إلى ولايتي أوهايو، وميسوري، ثم إيلينوي. و"بقدرة قادر" أيضا، أصبح سميث عمدة مدينة نوڨو، وترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية. لكن، فُضح أمره من جانب "مرتدين"، اقتنعوا بداية بدعوته، ثم تركوه بعد ثبوت زيف ادعاءاته.

أحدثت الضجة اضطرابات دينية أدت إلى اغتيال جوزيف سميث مع أخيه هايرم في العام 1844 من جانب متطرفين. لكنه كان قد عين 12 "حوارياً" من أصحابه، ونصب برغهام يونغ رئيسهم. فأصبح هذا الأخير زعيم الملة حتى موته في العام 1877. فعمد إلى اصطحاب أفرادها إلى ولاية يوتا النائية لكي يكونوا في مأمن. واستقر بهم المقام في المدينة التي شيدوها على ضفاف "البحيرة المالحة"، التي سميت باسمها. ولا تزال سولت ليك سيتي المركز العالمي للمورمون.

يؤكد علماء اللاهوت الغربيون أن "فلسفة" الملة قائمة برمتها على تفسيرات فنتازية للعهدين القديم والجديد، ومنها تحليل تعدد الزوجات. في هذا المجال، استشهد سميث، الذي تزوج العديد، بالنبيين سليمان وداوود، مذكراً بأن كلاً منهما حظي بعدد كبير من الزوجات والجواري والمحظيات. وشدد مؤسس الملة، ومن بعده كهنتها ليومنا هذا، على أن الاكتفاء بواحدة "من شأنه إفساد الأخلاق وتفكيك المجتمع".

لكن، يُجمع المراقبون على أن نشأة هذا التقليد والتشبث به يمثلان وسيلة لتمكين مريدي الملة من إنجاب أكبر عدد ممكن من الأولاد لغاية زيادة عدد أفرادها. ويتباهى المورمون برجال منهم تزوجوا 15 أو 20 امرأة، أو أكثر، فرزقوا بعشرات الأولاد، بحيث لا يعرف الأب أسماءهم جميعاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها