الإثنين 2017/08/07

آخر تحديث: 07:51 (بيروت)

بيروت المتعِبة

الإثنين 2017/08/07
بيروت المتعِبة
أكره حبّي لك لأنك قاسية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

بيروت ليست عادلةً معنا، نحن الذين نلجأ إلى مناطقها وأحيائها للدراسة والعمل، ونترك مدننا وقُرانا وتفصلنا عن أهلنا مسافة تتجاوز عشرات الكيلومترات.

نترك بيوتنا الواسعة والمناظر التي تطل عليها شرفاتنا. نبتعد من تلالنا. نهجر أحياءنا التي لطالما اتسعت لأولاد الجيران ودراجاتهم. أما أشجارنا، فإن قلّتها في بيروت تجعلنا نشتاق إلى نسمات الهواء النقية التي تمرّ من بين جذوعها.

المشاعر التي أكنها لبيروت غريبة، ومتضاربة.

بيروت، أكرهك لما تأخذين مني يومياً من صبر وهدوء وراحة وسلام. أكرهك لأنك اقتلعت الأمان من قلب أمي، والراحة من بال والدي. وهما ينامان يومياً على وساداتٍ تسرق النوم من عيونهم وتوسوس في عقولهم علينا.

أكرهك لأنني أنفق تعبي يومياً على حجرك الذي لا يؤمن لي الحدّ الأدنى من الراحة، والذي انفق عليه راتباً تقتات منه عائلة بأكملها.

كيف لنا أن نحبّك وأنتِ لم تقدمي لنا سوى هواءً أستُبْدِلَ بالأمراض وروائح المازوت والنفايات، بعدما اعتدنا على روائح البساتين؟

بيروت، تمطرين علينا وحدةً ونحن محاطون بالمئات من الأصحاب. نعيش في عُلب حجرية، لا خصوصية لنا فيها. إذا أردنا تنشق بعض الهواء على شبه الشرفات التي توفرينها لنا، فإننا نتنشّق صراخ أولاد الجيران والمشاكل التي تتكدس في الطوابق التي تحيطنا. تفصلنا عن بحرك مدنٌ من باطون، وأسلاك من حديد، ومشاريع انتزعت منا حقّنا في الوصول اليه.

بيروت أحبّك. أحب ضجيج الحياة الذي يصدح من مقاهيك وحاناتك. أعشق الفوضى التي تجتاح شوارعك. تفاصيلك العتيقة، جروحك التي خلّفتها الحروب على المباني، الزوايا التي تختبئ فيها بيوت هجرها أصحابها ولم يتركوا فيها سوى أشجار يابسة وحيطان عارية وكراسي فارغة.

بيروت، أكره حبّي لك لأنك قاسية، لكني أعترف أنك جميلة ببشاعتك، وأنّك آمنة بمخاطرك، وأنك هادئة رغم تهوّرك. أزيلي الوحدة من قلبي، وأعيدي لوالدتي الأمان ولوالدي الراحة. عودي جميلةً كما كنتِ في بالنا عند الصغر، ولا تستنزفي طاقتنا التي أوشكت على الانهيار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها