إبان الحرب، كان بإمكان أي شخص أن يعمل على سرفيس، وكل ما كان عليه فعله هو أن يشتري سيارة مرسيدس. عملت أنا لفترة طويلة بلوحة سيارة خصوصية. كان ذلك في أيام السرفيس بليرة، والتاكسي بعشر ليرات.
تزوجت في العام 1976، وبعدما أصبح لدي أطفال، اضطررت إلى العمل في أي شيء. في العام 1978 توظفت في البنك العربي وتركت في العام 1990، على أساس أن أسافر إلى دبي، لكن أكلت الضرب. تاجرت في تلك الفترة بسيارات المرسيدس، قبل انهيار البلد مع ارتفاع أسعار الدولار وانخفاض صرف الليرة، في عامي 1988 و1989. خلال عملي في البنك العربي، صرت أشتغل على السرفيس بعد انتهاء دوامي في الساعة الثانية بعد الظهر. كنت أسرفس في جميع أحياء بيروت والجبل (سوى في الشرقية والمناطق التي تدور فيها الحرب)، وقد أدخلت السرفيس والتاكسي لي نقوداً كثيرة، خصوصاً في الفترة التي كانت منظمة التحرير لا تزال في بيروت، فقد شهد البلد وقتها فترة إقتصادية ذهبية، بسبب السيولة المالية التي خلقتها المساعدات التي كانت تقدم يومها للفلسطينيين.
في العام 1994، وبعدما أصبحت الدولة موجودة، اضطررت إلى شراء لوحة عمومية. يومها كنت أبيع الكايك والكعك بالتمر لمراكز الجيش التي يتواجد فيها الذين يخدمون الإجباري. بقيت أتاجر مع الجيش حتى العام 2008، وقد وصل حجم المبيع في إحدى الفترات إلى نحو 15 ألف حبة كايك يومياً. صرت أعمل بعد الساعة الواحدة ظهراً على المرسيدس، واكتشفت بعد فترة قليلة من نهاية الحرب الخطوط الموجودة في الشرقية، وتحديداً خط الجديدة– الزلقا– أنطلياس، الذي لم يكن يمر عليه فانات أو باصات، وكان أحد أقوى الخطوط في بيروت، طبعاً بالإضافة إلى خط الحمرا– الروشة– عين المريسة، الذي كان عليه سياح وخليجيون. ما يعني كثيراً من التاكسيات وليس السرفيسات فحسب.
اليوم، صرت من دون أن أفكر، أعرف أي خط يمكن أن أجد عليه ركاب، اعتماداً على الوقت وأي فترة من السنة، وطبعاً الحدس لم يعد يخطئ كثيراً.
في السرفيس يصعد معك مجتمع بكامله، كما تربي زبائن كثيرين، وتتعرف إلى أشخاص لم تكن تتصور يوماً أنك ستكون أصحاباً معهم. للأسف، كثير من سائقي السرفيس اليوم هم "عواطلية" أو خريجي سجون، لم يجدوا من يشغلهم، فقرروا العمل على الخط. كثيرون هكذا، لأنهم يظنون أن أي شخص بإمكانه أن يكون سائق سرفيس.
هؤلاء السائقون لا مسؤوليات لديهم، أو ربما لا يريدون تحمل مسؤولياتهم. تجدهم بالعشرات في نهاية النهار يلعبون على المكنات في الآميوزمنت سنتر، ويضيعون نقودهم. هم كثيرون، ويشكلون فئة كبيرة جداً، أتمنى لو نخلص منهم.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها