الجمعة 2017/07/07

آخر تحديث: 00:39 (بيروت)

حقيقة الأمهات تخرج إلى العلن

الجمعة 2017/07/07
حقيقة الأمهات تخرج إلى العلن
الأمهات جزء من أكبر شبكة مخابرات في العالم (Getty)
increase حجم الخط decrease
منذ أن وصلت الهواتف الذكية إلى الأمهات، والواقع يكشف أمامنا حقائق جديدة. عشرات الاتصالات تصل إلى كل واحدة منهن يومياً. آلاف الكلمات تنسال على الأفوه، والأسئلة ترتسم على الوجوه: كيف استطعن خداعنا كل هذا الزمن؟ ولماذا جميعهن يستعملن الإصبع نفسه، أي السبابة، عند النقر على الشاشة؟

من الصعب إيجاد جواب للسؤال الأخير، الذي يبقى عصياً على الفهم والتحليل. لكن، لنفكر في السؤال الأول، وفي الخداع المنطلي علينا كل هذا الزمن. اختفت الأمهات طويلاً خلف صورهن، التي أخبرتنا عن ينابيع حنان لا تنضب، وتضحيات وعطاءات كثيرة. استطعن إبعاد أعيننا عن حقيقتهن في مجتمعاتنا الحديثة، كعملاء سريين في شبكاتهن المخابراتية الأكثر تعقيداً في العالم.

الغريب أيضاً، أننا بدون أن ننتبه، كنا نستعملهن ونستفيد من موقعهن المخابراتي هذا، مفعّلين ما يملكنه من علاقات. إن أردت معرفة معلومة ما، عن حدث معين في بلدتنا، كنت أتوجه إلى أمي أولاً. أعرف أنها لن تكتفي بسرد الوقائع، بل إنها ستزيد من عندها، ومن تحليلها الخاص، المبني على مخزون هائل من المعلومات والخبرات.

فالكلام لن يخرج منها مقتضباً كما هي الحال مع والدي، بل هي ستستفيض، مركزةً جهدها على تفاصيل لم يكن ليراها أحد. شيء يشبه العمل المخابراتي، الذي يحسب حساباً لأشياء صغيرة، حتى لو لم تكن ذات دلالة واضحة، لربما أصبحت كذلك في المستقبل. الآباء لم يكونوا يوماً راغبين بالقيام بتلك المهمة، فالكلام الكثير عن الناس وأخبارهم، يبقى لهم فعلاً أنثوياً، يبتعدون عنه خوفاً من اهتزاز صورهم.

هم يسلمون أمور الكلام وتناقله إلى شبكات الأمهات. يكتفون بتوثيق المعلومات والمشاهد والأخبار، ثم يتركون لهن التفكير فيها وربطها وبلورتها، ثم إعادة إنتاجها كأحداث بسرديات جديدة، لا تلبث أن تدخل في صراع مع سرديات أمهات أخريات. أما في حال تقاطعت المصالح، فيمكن للأب استخدام الأم لترويج معلومات معينة، في تلك الاتصالات التي تجريها يومياً مع أمهات أخريات، ما يضمن له إنتشار أي شائعة في وقت قياسي عن طريق تلك الشبكة المخابراتية غير المتناهية. 

هذه القدرات المخابراتية الخطيرة، أحسب أنها تطورت وأصبحت أكثر تنظيماً وتعقيداً على مدى آلاف السنين من العمل الجاد، والنميمة، التي هدفت في السابق إلى مقاومة واقع وضعهن في أسفل المجتمع. إلا أن هذا الواقع تغير اليوم، وأصبحت الأمهات مسيطرات على تفاصيل حياتنا اليومية، يستعملن الواتساب كأداة لنشر معلوماتهن وللتحكم بكل ما هو حولهن، وفايسبوك كخزان لا ينضب من الوثائق، التي تسمح لهن بمراقبة حيوات الآخرين من بعيد، بدون أن ينتبه أحد لوجودهن المريب. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها