الأربعاء 2017/07/19

آخر تحديث: 00:13 (بيروت)

تشعر بالغضب الدائم؟ تأمّل هامشيتك

الأربعاء 2017/07/19
تشعر بالغضب الدائم؟ تأمّل هامشيتك
تهدئة الجسد قبل التفكير بتهدئة العقل (Getty)
increase حجم الخط decrease

نواجه، في أيامنا العادية، كثيراً من الأسباب الكفيلة بجعلنا منزعجين، مسعورين ومهتاجين من الغضب. إن تراكم هذه المواقف، مهما كانت صغيرة، يشعرنا أن العالم بأكمله يقف ضدّنا. فلنأخذ على سبيل المثال السيناريو التالي: في يومٍ واحد، انقطع التيار الكهربائي في غير موعده. وفي حادثةٍ مستقلة، احترقت "الطبخة على النار". للكثير منا، سيكون تتالي هذان الحادثان أمراً قاهراً. سنشعر بمؤامرة كونية ضدّنا. لماذا أنا؟ سيسأل المرء منا. وسيغضب بشكلٍ عشوائي. في الحقيقة، هو لا يعرف من المسؤول حقاً عن إنقطاع الكهرباء، ويعلم أنه المسؤول عن إحتراق الطبخة. لكنه سيغضب على أي حال؛ قليلاً من نفسه، وقليلاً من العالم كلّه. نشعر بالضعف لأننا لا نستطيع السيطرة على أنفسنا، وعلى العالم. وإزاء هذا الضعف، ندرك أن الأمر الوحيد الذي يمكننا السيطرة عليه هو غضبنا. لكن كيف؟

قبل الشروع في مقاومة سهولة وقوعنا في فخّ الغضب، علينا أن نسأل: لماذا من السهل جداً أن نغضب؟ يصف الخبير النفسي ليون سيلتزر الغضب بأنه "رأس الجبل الجليدي". بمعنى أنه الشعور الذي يتجلّى على السطح، مخبئاً تحته تاريخاً من الصراعات والمشاعر الأخرى. الغضب هو أسهل هذه المشاعر، لذلك فهو يتمظهر بسهولة تامة. ورغم كونه سلاحاً فتّاكاً ضدّ الذات والآخرين، إلا أنه في الوقت عينه درع يحمي الذات ويحافظ عليها. ففي بحثه عن أسباب الغضب لدى مرضاه، توصّل سيلتزر إلى الإستنتاج أن الغضب هو "وسيلة لمداواة النفس إزاء كافّة أنواع الألم النفسي، والوصول بها إلى الهدوء". علاوةً على ذلك، يراه سيلتزر "سبيلاً لتمكين الذات ومنحها السلطة".

يمكن تفسير هذا الأمر بيولوجياً. إذ يشير سيلتزر إلى أن الغاضبين غالباً ما يعانون من اضطراب صورة الذات. مقابل ذلك، يلعب الغضب دور "المسكّن النفسي". فإحدى الهرمونات التي يفرزها الدماغ عند الغضب هي Norepinephrine، التي تتمتّع بقدرة تخديرية. عليه، يعتمد الفرد على هذا الخدر، إلى حدّ الإدمان أحياناً. بالغضب، يشبع الفرد الغاضب حاجته للأمان النفسي والإستقرار الذهني. من جهةٍ أخرى، تأتي مشاعر الغضب إلى نجدة الفرد حين يشعر بالعجز، فتمنحه وهم السيطرة. وتتجسّد هذه العملية بيولوجياً أيضاً. ذلك أن الهرمونات التي يفرزها الدماغ، ومنها الأدرينالين، تمدّ الفرد بطاقة فجائية للمواجهة والهجوم.

بناءً على هذه التأملات، عدّل سيلتزر في السؤال الذي يطرح عادةً أثناء التعامل مع الغضب، فحوّله من "ما هي مهارات السيطرة على الغضب التي يحتاج الفرد أن يتعلّمها؟" إلى "كيف يمكّن الغضب هذا الفرد؟ ممّا يحميه؟ وماذا يخفي تحته؟". أتاح هذا السؤال لسيلتزر تطوير آلية ثنائية لمواجهة الغضب. تعتمد هذه الآلية على "تهدئة النفس" و"مراجعتها". في الخطوة الأولى، يشير سيلتزر إلى أهمية تهدئة الجسد قبل التفكير بتهدئة العقل. فالغضب يهيئ الجسد تلقائياً إلى اتخاذ وضعية الهجوم، وهو كردّة فعل غريزية بدائية يعطّل التفكير العقلاني. وهنا ينصح سيلتزر بتبني أي وسيلة للتهدئة الذاتية، من الإستماع إلى الموسيقى، مروراً بالتأمّل، ووصولاً إلى التنويم المغناطيسي. وليس هذا بالأمر السهل، بل يتطلّب تمريناً متواصلاً.

شعورنا المتواصل بالغضب ينبع من إهتمامنا المفرط بالأمور اليومية، ومن ظننا أنها، وأننا، على أهمية بالغة. لكن للمحافظة على سلامتنا العقلية، علينا الإستماع إلى حقيقة أخرى: أننا، وكلّ ما نفعله، من دون أهمية تذكر، بالنسبة إلى دورة الكون. ومن هنا أهمية التأمل والطبيعة. فتأمّل الجبال الخالدة، والبحر الساحق، والسماء الشاسعة وحتى الأحجار الصغيرة الساكنة، كفيل بجعلنا نشعر بالتواضع، وحثنا على مقاومة ميولنا للمبالغة والهلع، والتخلي عن اعتقادنا النرجسي أن الكون يتآمر ضدّنا. علينا القبول بهامشيتنا. إن كانت الرحلة إلى الطبيعة خارج متناول اليد، يكفي أن نشّغل محطة "Animal Planet"، أو ما شابهها.

بعد الابتعاد عن الحدث الذي أشعل نار الغيظ، يصبح الفرد قادراً على مراقبة الحدث من مسافة سليمة وبعينٍ صادقة.. إلى حدّ ما. وبإعادة تقييم الظرف الذي حوّله إلى هالك (الرجل الأخضر)، ينتقل الفرد إلى المرحلة الثانية من الخطة الثنائية، حيث سيجد نفسه أمام مهمة جوهرية: تفكيك الغضب؛ أي عزل عناصره بين ما هو خارجي المنشأ، وما هو داخلي. سيضطر حينها إلى إعادة النظر في تحيزاته ووعيه إلى الأمور التي تستفزّه، وتغيير طريقة إدراكه لها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها