الجمعة 2017/06/16

آخر تحديث: 08:33 (بيروت)

يوميّات مضيفة طيران

الجمعة 2017/06/16
يوميّات مضيفة طيران
أن تعمل في هذا المجال يعني أن تستيقظ في الساعة الثانية صباحاً (Getty)
increase حجم الخط decrease
منذ ثلاث سنوات، تركت عملي كمضيفة طيران، بعدما حصلت على اجازتي الجامعية. أمضيت ثلاث سنوات متنقلةً بين عالمين: مقاعد الدراسة، ومقاعد المضيفات والمضيفين أو ما يعرف بـJump Seat. هذا العمل، رغم الامتيازات التي يقدمها، كان صعباً على المستويين النفسي والجسدي. وهذا ما لا يعرفه كثيرون.

أن تعمل في هذا المجال يعني أن تستيقظ في الساعة الثانية صباحاً. ترتدي تنورةً مع كعب، وتضع كميةً من الماكياج، لتغطية علامات نقص النوم على وجهك. تتوجه إلى مقر العمل للاجتماع بطاقم الطائرة الذي يتغير في كل رحلة. تتفق مع الطاقم على تقسيم الأدوار، ثم تتوجه معه إلى المطار عند وصول الطائرة.

تدخل المقصورة من أجل البدء بمهماتك التالية: الإشراف على التنظيف والتأكد من أن العمال قد قاموا بواجباتهم على أكمل وجه. تفتّش الطائرة وتتحقق من الطعام والكميات الموجودة والخيارات المتوفرة. ثم تتأكد من وجود كل اللوازم الخاصة بسلامة الركاب وراحتهم خلال الرحلة وفي حالات الطوارئ.

أن تكون مضيفاً أو مضيفةً يعني أن تقف على باب المقصورة التي تفوح منها الرائحة نفسها دائماً، من أجل استقبال الركاب والمسافرين بابتسامة عريضة، يختبئ وراءها عالم من المشاعر المتناقضة. هذا العالم الذي تتركه عند باب الطائرة، لا تعلم إن كان في انتظارك عند العودة.

خلال عملك، سيلاحقك الركاب بنظراتهم. منهم من سينظر بحشرية إلى ما تفعل، ومنهم من سيكتفي بمشاهدتك وأنت تمشي، كأنك مخلوق فضائي مختلف عنهم. منهم من سيحاول اكتشاف طرق جديدة لإغاظتك والضحك لاحقاً على ردة فعلك.

وهناك من سيكتفي بإشغال نفسه بالكرسي والشاشة ووجبة الطعام والنوم، إذا تعدت مدة الرحلة الساعتين. لكن، إن كان حظك تعيساً إلى درجة عدم توفر إحدى خيارات الطعام، ستجد بينهم من سيحول الساعات المتبقية من الرحلة إلى جحيم، كأن تحديد أصناف الوجبات وكمياتها في يدك. في هذه الحالة، ستضطر إلى التحول إلى محامي دفاع عن الشركة التي تعمل معها، من أجل شرح الأسباب التي أدت إلى عدم توفر الخيار الذي يريده الراكب.

بعد الانتهاء من معظم مهماتك، ستقفل الستارة التي تفصلك عن الركاب، لاستراق النظر إلى ورقة كتبتها بخط يدك، فيها مادتك الدراسية التي لم يتسع لك الوقت بعد لمراجعتها قبل موعد الامتحان. لن تتمكن حتى من النظر إليها، لأن المقصورة ستتحول، بعد ١٠ دقائق، إلى ساحة جديدة من الطلبات. ستقول لنفسك إن هذا عملك. بالتالي، عليك وضع الورقة جانباً لكي لا ينفذ صبر الركاب، وستقنع نفسك بأنك قادر على إيجاد الوقت الكافي للدراسة، قبل شروق الشمس.

ستعود إلى المنزل لخلع الكعب، الذي سيسبب مع الوقت أوجاعاً لن تنتهي منها بسهولة. تقوم برفعهما عالياً في محاولة لتخفيف الوجع والضغط عنهما. ثم بعدها، ستدخل الحمام، لإزالة رائحة المقصورة عنك، والماكياج الذي يخبئ يومك المتعب.

هذه المهنة تعلمك كيف تتخطى عشرات المواقف التي تلسعك بصمت، وتعلمك كيف تتغاضى عن الاحتفال بأعياد لم تتخيل يوماً أنك لن تكون جزءاً منها. كما ستجعلك تشتاق أحياناً إلى تفاصيل صغيرة، كالتجول في الشمس من دون حاجة للطيران، والنوم حتى وقت متأخر، من دون القلق من تفويت أي طائرة.

لكن، أن تعمل مضيفاً أو مضيفة طيران يعني أن تتخلى عن الأرض لكي تسكن فضاءً صعباً، يعطيك رغم كل شيء فرصة مشاهدة شروق الشمس وغروبها من مسافة أقصر. وهذا كفيل بأن ينسيك كل المتاعب الأخرى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها