الجمعة 2017/05/05

آخر تحديث: 08:39 (بيروت)

أميركيون رغماً عنهم.. وهذه مصيبتهم

الجمعة 2017/05/05
أميركيون رغماً عنهم.. وهذه مصيبتهم
أغلبهم لم يكن حتى على دراية بأميركيتهم (Getty)
increase حجم الخط decrease

أيها الموُلَدون على أراضي الولايات المتحدة، إنما غير أميركيين، حذارِ!

في وقت نرى فيه كثيرين- من أنحاء العالم، وليس عندنا فحسب- يحلمون بحيازة جنسية العم سام، ويبذلون الغالي والنفيس للحصول على ختم تأشيرة الدخول إلى "أرض الميعاد"، ثمة من يسعى إلى التخلص من هويته الأميركية، من دون جدوى.

في فرنسا، مثلاً، اكتشف أخيراً بضع مئات من مواطنيها أنهم... أميركيون، وأنهم خارجون عن القانون في الولايات المتحدة، ومطلوبون للعدالة فيها. كيف؟ لأن دائرة الضرائب الأميركية أنذرتهم بدفع مبالغ كبيرة كمستحقات ضريبية غير مدفوعة، تحت طائلة التعرض لغرامات باهظة، وربما حتى السجن والملاحقات الدولية في حال الامتناع عن الدفع.

ففي العام 2010، أصدرت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، "قانون إخضاع الحسابات الأجنبية للضريبة"، المختصر برمز (FACTA) في هدف ملاحقة الأميركيين في الخارج المتملصين من الضرائب.

من جهة أخرى، يُعدُّ أميركياً بشكل تلقائي، شاء أم أبى، كلُّ من ولد على أراضي الولايات المتحدة. وفي تشرين الثاني 2013، أبرم پيير موسكوڤيسي، وزير الاقتصاد والمال الفرنسي وقتها، مع شارلز ريڤكن، السفير الأميركي في باريس، اتفاقية للتعاون الثنائي لتطبيق قانون الـ"فاكتا" ذلك.

وتلك هي الورطة التي وقع فيها فرنسيون يحسبهم القانون في عداد الأميركيين رغماً عنهم. يقولون إن "ذنبهم" الوحيد هو أنهم ولدوا في الولايات المتحدة عن طريق الصدفة. لذا، في 30 نيسان 2017، عقدوا مؤتمراً في ناحية "غوران" (في محافظة "موربيان"، غربي فرنسا) للتداول في شأن تلك المشكلة الشائكة، التي يصفونها بحالة مستعصية الحل.

أغلبهم لم يكن حتى على دراية بأميركيتهم. توضح إحدى المؤتمِرات، مارلين، وهي متقاعدة في الـ67، أنها فوجئت بمطالبة دائرة الضريبة الأميركية 6 آلاف يورو (نحو 6500 دولار). تشرح وضعها بالقول إن والديها أمضيا عطلة في الولايات المتحدة، فحصل أنها ولدت خلالها، فعاشت هناك الشهر الأول من عمرها. ولم تعد إلى مسقط رأسها قط. وفي سن الـ21، تخلَّت رسمياً عن الجنسية الأميركية. ومن المفارقات أن مارلين معفية من الضريبة في بلدها، فرنسا، لتدنّي مواردها ولكون زوجها مقعداً جراء المرض. وها هي الآن تواجه مشكلة بقاء عويصة: إذ تتعرض لضغوط من بنوكها، التي جمّدت حساباتها ريثما تصفي ديونها الضريبية لأميركا. بل، ألغت شركة التأمين بوليصة التأمين على الحياة العائدة لها.

تضيف مارلين أنها تُعتبر مجرمة في أميركا، على أساس عدم التصريح بدخلها للسنوات الماضية، منذ إصدار قانون "فاكتا". وإغفال التصريح بالدخل يمثل هناك جريمة فيدرالية. "لذا، حذرني كثيرون: يتحتم عليّ عدم الذهاب إلى أميركا بتاتاً، لأنني سأودع السجن لدى وصولي إلى المطار"، مثلما تقول مرتعدة.

أما البنوك الفرنسية، فتتخذ موقفاً متخاذلاً من الموضوع، وتحجز على موجودات المعنيين وتغرقهم بوابل من الإنذارات. والسبب: خشيتها من "انتقام" واشنطن إن لم تمتثل. وذلك ما حصل فعلاً مع بنوك فرنسية، اتُّهمت بعدم الانصياع لقوانين أميركية داخلية. فمثلاً، قبل عامين، إضطر "بي أن پي پاريبا BNP Paribas"، أحد أشهر مصارف فرنسا، إلى دفع غرامة 9 مليار دولار إلى واشنطن، التي وجّهت إليه تهمة عدم تطبيق تشريعاتها المتعلقة بالحظر الأميركي ضد بلدان معينة. وثمة 11 مصرفاً أوروبياً آخر تم ابتزازها خلال السنوات الماضية بالطريقة نفسها لسبب أو آخر، ما كلفها مليارات الأوراق الخضر.

وتكمن معضلة التخلص من الجنسية الأميركية في كونها مكلفة جداً: 15 ألف إلى 20 ألف دولار، كأتعاب لمحامٍ أميركي متخصص في القضايا المدنية والضريبية. إلى ذلك، مثلما يوضح فابيان لوهاغر، أحد المعنيين ومنظِّمي المؤتمر المشار إليه، فإن "ما يُثني أكثرنا عن طلب إسقاط الجنسية الأميركية هو أن إجراءاتها، فضلاً عن الكلفة، معقدة وتسترسل سنوات، وتستلزم السفر إلى أميركا ربما أكثر من مرة". يضيف: "أنا فرنسي قح مئة في المئة، عشت في فرنسا، وترعرعت فيها ودرست فيها وأعمل فيها وأدفع ضرائبي لحكومتها، ولا أجيد الإنكليزية بتاتاً، فلماذا أطالَب الآن بدفع آلاف الدولارات لبلد لا ناقة لي فيه ولا بعير؟".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها