فرح مهنّد لأشهر بتبني موهبته، وتحصيله بعض المال، لكن طموحه كان أكبر من ذلك. جال على محترفات بيع اللوحات في العديد من أحياء دمشق، حاملاً معه بعض لوحاته. استطاع إقناع ثلاثة منها بموهبته، توزعت ما بين الحمرا والصالحية وباب توما. طلبت منه إعادة رسم لوحات عالمية لكن بالأبعاد الثلاثية. بعض اللوحات باعها بمئات الدولارات. ما دفعه إلى التعمّق بالفن التشكيلي والتعبيري بسنّ مبكرة، كما يقول لـ"المدن".
"ربحت معنوياً كثيراً، خصوصاً وأنا أجد أبي، بائع الخضار، فرحاً بما أحققه"، يقول مهند. سعادته كانت كبيرة حين استطاع شراء منزله الخاص في مخيم اليرموك وهو لم ينه بعد المرحلة الثانوية. اختار "علم النفس" اختصاصاً جامعياً، حيث رأى فيه "ما يجمعه بفن الرسم"، هذا من دون أن يتخلى عن دراسته أشكالاً أخرى من الرسم في معاهد عديدة.
في العام 2011، كانت سوريا على موعد مع الثورة. استقبل مخيم اليرموك الآلاف من النازحين. وفي أواخر العام 2012 قصفت الطائرات مسجد عبدالقادر الحسيني. غادر مهند وعائلته، بأفرادها الثمانية، المخيم إلى حي الزاهرة في دمشق. لم يتبقّ سوى أشهر على تخرّج مهند وسوقه إلى الخدمة العسكرية. كان رافضاً ذلك المصير. كوابيس تلاحقه في نومه حول انغماسه في الحرب. فرّ وحيداً إلى لبنان. قصد أخواله في مخيم برج البراجنة. بعد أشهر من عمل شاق لأيدي فنان في مصنع للحديد، عمل لدى بائع أدوات منزلية، لقاء رسم على لوحات. استطاع أن يؤمّن مصاريف مجيء عائلته إلى لبنان بعدما نفدت أموالها في سوريا.
هاجرت العائلة إلى هولندا، وبقي مهنّد وحيداً في المخيم. قبل عام افتتح محل الحلاقة الخاص به. المنافسة قوية. لا بدّ من إبداع ما، يميّز ذاك الحلاّق الذي يفتقد العلاقات الشخصية الواسعة في المخيم. قرر أن يدمج مهنته وموهبته، فكان الرسم على الرؤوس. رسم لأشكال وتعابير وشعارات، لكن الأصعب رسم الشخصيات، والأكثر طلباً هو رسم رموز وطنية راحلة، وبعض الرسومات يستغرق وقتاً قد يمتدّ لثلاث ساعات. كانت الشخصية الأولى التي رسمها على رأس أحد زبائنه، هي الحلاّق نفسه، مهند عمر. ربما أراد أن يقول إنه حقق ذاته.
تعلّم مهند من لعبة عصا الننشاكو التي يجيدها أن لا يبقى في مكان واحد، كما يقول، لذا فهو يطمح إلى البدء برسم شخصيات بأبعاد ثلاثية على الرأس. ولدى سؤال "المدن"، عن أيهما يُفضّل: الرسم على اللوحة أم الرأس؟ أجاب مبتسماً بأن الرسم على الرأس فيه توفير للألوان، قبل أن ينظر بجدية أكثر إلى لوحة رسمها لأحذية تراكمت فوق بعضها لتشكّل صورة إنسان حزين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها