الجمعة 2017/05/12

آخر تحديث: 02:03 (بيروت)

الحلاّق مهنّد يحوّل الرؤوس محترفاً فنياً

الجمعة 2017/05/12
الحلاّق مهنّد يحوّل الرؤوس محترفاً فنياً
قبل عام افتتح مهند محل الحلاقة الخاص به
increase حجم الخط decrease
للوهلة الأولى، يبدو صالون مهند للحلاقة، أشبه بمحترف فني. بدءاً من المدخل، الذي نُصبت عنده لوحة فيها وجوه مرسومة لمشهورين، من وديع الصافي إلى فيروز. وفي داخل المحل رسوم متعددة، واحدة لحصان واثب تحتل حائطاً كاملاً. كلها خطتها يد الحلاق نفسه، الذي استطاع أن ينقل فنونه في الرسم إلى رؤوس زبائنه، في دمج نادر، في لبنان، بين فن الرسم ومهنة الحلاقة. موهبة مهند عمر صقلتها سنوات في مخيم اليرموك في سوريا قبل الوصول إلى مخيم برج البراجنة في لبنان.

في عامه السادس يبدأ الطفل مهند رسم الكاريكاتير، فرح لتشجيع والديه وأقاربه، فاستمر بالرسم، حتى أنه كان يرسم كل مشاهد مسلسل الكابتن ماجد، كما يقول. في صف التاسع كان التحوّل الأكبر في حياته. أحبّ فتاة تكبره سنّاً، خجل من مصارحتها، فأخذ ينتظرها كل يوم عند شرفة منزله، ليعبرّ بريشته عما عجز عنه لسانه.

اكتملت الرسمة على الكرتون المقوّى، برسم الشعر المسدول على الكتف. حملها إلى محل للتصوير في شارع صفد في المخيم لشراء إطار مناسب لها. سأله صاحب المحل عن الفتاة في الرسمة. خاف الصبي. ظن أن صلة قرابة تجمع صاحب المحل بمن ظل أياماً يرسمها، ولمّا عبّر عن إعجابه بطريقة الرسم، اعترف الصبي، فطلب من الأخير رسم شخصيات على لوحات ليعرضها للبيع في محله. في هذا الوقت كان يتردد إلى محل عمّه الحلاّق ليتعلّم مهنة الحلاقة.



فرح مهنّد لأشهر بتبني موهبته، وتحصيله بعض المال، لكن طموحه كان أكبر من ذلك. جال على محترفات بيع اللوحات في العديد من أحياء دمشق، حاملاً معه بعض لوحاته. استطاع إقناع ثلاثة منها بموهبته، توزعت ما بين الحمرا والصالحية وباب توما. طلبت منه إعادة رسم لوحات عالمية لكن بالأبعاد الثلاثية. بعض اللوحات باعها بمئات الدولارات. ما دفعه إلى التعمّق بالفن التشكيلي والتعبيري بسنّ مبكرة، كما يقول لـ"المدن".

"ربحت معنوياً كثيراً، خصوصاً وأنا أجد أبي، بائع الخضار، فرحاً بما أحققه"، يقول مهند. سعادته كانت كبيرة حين استطاع شراء منزله الخاص في مخيم اليرموك وهو لم ينه بعد المرحلة الثانوية. اختار "علم النفس" اختصاصاً جامعياً، حيث رأى فيه "ما يجمعه بفن الرسم"، هذا من دون أن يتخلى عن دراسته أشكالاً أخرى من الرسم في معاهد عديدة.


في العام 2011، كانت سوريا على موعد مع الثورة. استقبل مخيم اليرموك الآلاف من النازحين. وفي أواخر العام 2012 قصفت الطائرات مسجد عبدالقادر الحسيني. غادر مهند وعائلته، بأفرادها الثمانية، المخيم إلى حي الزاهرة في دمشق. لم يتبقّ سوى أشهر على تخرّج مهند وسوقه إلى الخدمة العسكرية. كان رافضاً ذلك المصير. كوابيس تلاحقه في نومه حول انغماسه في الحرب. فرّ وحيداً إلى لبنان. قصد أخواله في مخيم برج البراجنة. بعد أشهر من عمل شاق لأيدي فنان في مصنع للحديد، عمل لدى بائع أدوات منزلية، لقاء رسم على لوحات. استطاع أن يؤمّن مصاريف مجيء عائلته إلى لبنان بعدما نفدت أموالها في سوريا.

هاجرت العائلة إلى هولندا، وبقي مهنّد وحيداً في المخيم. قبل عام افتتح محل الحلاقة الخاص به. المنافسة قوية. لا بدّ من إبداع ما، يميّز ذاك الحلاّق الذي يفتقد العلاقات الشخصية الواسعة في المخيم. قرر أن يدمج مهنته وموهبته، فكان الرسم على الرؤوس. رسم لأشكال وتعابير وشعارات، لكن الأصعب رسم الشخصيات، والأكثر طلباً هو رسم رموز وطنية راحلة، وبعض الرسومات يستغرق وقتاً قد يمتدّ لثلاث ساعات. كانت الشخصية الأولى التي رسمها على رأس أحد زبائنه، هي الحلاّق نفسه، مهند عمر. ربما أراد أن يقول إنه حقق ذاته.


تعلّم مهند من لعبة عصا الننشاكو التي يجيدها أن لا يبقى في مكان واحد، كما يقول، لذا فهو يطمح إلى البدء برسم شخصيات بأبعاد ثلاثية على الرأس. ولدى سؤال "المدن"، عن أيهما يُفضّل: الرسم على اللوحة أم الرأس؟ أجاب مبتسماً بأن الرسم على الرأس فيه توفير للألوان، قبل أن ينظر بجدية أكثر إلى لوحة رسمها لأحذية تراكمت فوق بعضها لتشكّل صورة إنسان حزين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها