الثلاثاء 2017/04/04

آخر تحديث: 06:38 (بيروت)

بين المخدرات والطب: شعرةٌ رفيعة

الثلاثاء 2017/04/04
بين المخدرات والطب: شعرةٌ رفيعة
تم التعتيم على الجانب العلاجي للمخدرات (Getty)
increase حجم الخط decrease
قبل بناء أول مجتمع بدائي، أو أول لغة محكية، دفعت غريزة المحافظة على الحياة وتجنب الألم البشر الأوائل إلى البحث عن أساليب النجاة في الطبيعة. ومن فترة إلى أخرى، كان يقع البشر أثناء بحثهم، على علاجات نباتية ذات تأثير مخدر أو مهلوس، أي ما يسمى في لغتنا الحديثة بالمخدرات.

معظم المخدرات ذات التأثير النفسي Psychoactive Drugs، التي تحظرها قوانين الدول العصرية، كانت تستخدم في وقت سابق أدوية لعلاج الأمراض. ويعود تاريخ استخدام بعضها في الحقل الطبي، كالأفيون والقنب على سبيل المثال، إلى آلاف السنوات. جاءت القوانين في الدول الحديثة، لتضبط هذا الاستهلاك، انطلاقاً من أسباب صحية (كمقارنة آثاره الإيجابية بتأثيراته السلبية)، بالإضافة إلى اعتبارات ومصالح سياسية أيضاً. ومنذ شن الولايات المتحدة حربها على المخدرات، تم التعتيم على الجانب العلاجي للمخدرات. لذا، سنسلك هنا مساراً معاكساً، ونسلط الضوء على الدور الطبي الذي يمكن أن تؤديه بعض هذه المخدرات.

LSD لشفاء الإدمان، الإكتئاب والشقيقة
في العام 1938، صنع عالم الكيمياء ألبيرت هوفمان مادة "ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك" والتي تختصر بـLSD. وأثناء دراسته هذه المادة الكيميائية، استهلكها هوفمان عن طريق الخطأ، واكتشف حينها تأثيرها المهلوس. منذ ذلك اليوم، حظيت LSD باهتمام المجتمع العلمي- الطبي، والجيش الأميركي. عليه، كثرت في مرحلة الخمسينات والستينات الدراسات والاختبارات الباحثة في إمكانية استخدام هذا العقار في المجال الطبي. إلا أن اختبارات CIA والجيش الأميركي، بالإضافة إلى انتشار المادة تجارياً، أدى إلى سوء استخدامها، فاتخذت الولايات المتحدة الأميركية قراراً بحظرها في العام 1967.

إلا أن العلماء لايزالون يواصلون دراساتهم حول هذه المادة، مقترحين نظريات بشأن إمكانية استخدامها في عدد لا بأس به من الأمراض والإضطرابات. ورغم عدم تأكيد أو حسم هذه النظريات، إلا أنها توثق ارتفاع نسب نجاح LSD في علاج إدمان الكحول والهيرويين من جهة، وفي تخفيف الألم من جهة أخرى. وأخيراً، أجرت كلية الطب في هارفرد دراسة حول فعالية LSD في علاج ألم الرأس. وكشفت نتائج تجربة طبية أخرى، أن جرعة طفيفة من العقار، عادت بنتائج إيجابية على 53 مشتركاً يعانون من ألم الرأس الحاد (الشقيقة).

استخدام عقار LSD بجرعات طفيفة لا يؤدي إلى الهلوسة، وهو يطلق عليه تسمية Microdosing. ويزداد أخيراً، انفتاح العالم واهتمامه بهذه الطريقة من تعاطي المخدر، التي يشهد عدد من المجربين بفعاليتها في علاج الاكتئاب والقلق. وقد زود مستشفى حكومي في الولايات المتحدة، مرضى السرطان، بجرعات من LSD، فأثبتت نجاحها في التخفيف من القلق والخوف من الموت.


الفطر السحري لعلاج OCD
يتشابه الفطر السحري Magic Mushrooms، في تركيبته وآثاره، مع LSD. وبالإضافة إلى ثبوت فعاليته هو الآخر في علاج آلام الرأس، يبدو أن للفطر المهلوس مستقبلاً واعداً في علاج إضطراب الوسواس القهري OCD. فقد كشفت تجربة أجرتها جامعة في أريزونا (الولايات المتحدة) أن استهلاك مرضى OCD الفطر المهلوس (الذي يحتوي على مادة Psylocybin) أدى في بعض الحالات إلى اختفاء أعراض المرض، لمرحلة مؤقتة قد تصل إلى ستة أشهر.

الإكستاسي لعلاج باركنسون
تشتهرEcstasy بكونها المخدر الخاص بالاحتفالات. فالمركب الكيميائي الذي يحويه المخدر، والذي يعرف بـMDMA، يبعث مشاعر الفرح والنشوة. خاصيته هذه، جعلت العديد من المعالجين النفسيين يؤمنون بفعاليته كأسلوب علاج للإضطرابات النفسية. وقد ذهب بعضهم إلى حد اعتماده ضمن جلساتهم العلاجية، رغم حظره قانونياً. لكن بالإضافة إلى فائدته المحتملة على الصعيد النفسي، وجدت دراسات حديثة أن المركب قد يكون فعالاً في علاج بعض الأمراض العصبية والعضوية، كإضطراب باركنسون. وإحدى هذه الدراسات، التي استخدمت الفئران ورجلاً يعاني من الباركنسون موضوعاً لها، كشفت أن MDMA كان له تأثير جذري على حالة الرجل الذي كان غير قادر على الحركة قبل تناول المخدر، فدفعته جرعة واحدة منه إلى القيام بحركات جسدية معقدة.

كيتامين: العلاج السحري للاكتئاب
لقب رونالد دومان، وهو دكتور وباحث في مجال الطب النفسي (في جامعة Yale)، مادة الكيتامين بالدواء السحري. ذلك أنها أثبتت فعاليتها في علاج حالات مستعصية من الاكتئاب. وقد أجرى دومان دراسته على مرضى فشلت كل أساليب العلاج الأخرى في مساعدتهم، فتجاوب 70% منهم بشكل إيجابي مع العلاج بالكيتامين. وأفاد دومان أن جرعة واحدة من المخدر قد تعمل بشكل فوري، وقد تستمر آثارها الإيجابية حتى سبعة أو عشرة أيام. وتشير دراسات أخرى إلى إمكانية استخدام هذا العقار في علاج إضطراب ثنائي القطب Bipolar. واللافت هو قدرة المخدر على إصلاح الروابط المتلفة بين الخلايا العصبية.

الماريجوانا لعلاج الألم
أضحى استخدام الماريجوانا مشرعاً في العديد من بلدان العالم. وفي بعض الدول التي لم تشرعه في الكامل، بل اتجهت إلى ضبطه، تمت قوننة استخدامه طبياً، كمخففٍ للألم (لاسيما في حالة مرضى السرطان)، أو كعلاجٍ لعوارض إضطراب ما بعد الحرب (خصوصاً في حالة جنود الحرب). وقد وجد فريق بحثي كندي أن "ثلاث نفخات من سيجارة ماريجوانا في اليوم قادرة على التخفيف من الألم العصبي المزمن". ويؤكد العديد من الدراسات فعالية مادة القنب في تخفيف آلام الدورة الشهرية لدى النساء. وقد أصبحت تباع منتجات طبية تحتوي على هذه المادة (مثل OM EDIBLES™).

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها