السبت 2017/04/22

آخر تحديث: 02:21 (بيروت)

بورنو الطعام.. إدمان

السبت 2017/04/22
بورنو الطعام.. إدمان
مشاهدة Food Porn تؤدي إلى استنزاف موارد النشاط الدماغي (Getty)
increase حجم الخط decrease
في منتصف القرن العشرين، كشفت تجارب عالم البيولوجيا نيكولاس تينبرغين عن سلوك حيواني مثير للاستغراب. فقد تبين أن الحيوانات، باختلاف أصنافها، تميل غريزياً نحو بيئة أكثر جمالاً وزهواً من بيئتها الطبيعية، حتى وإن كانت مزيفة. وباعتبار الإنسان نوعاً من هذه المخلوقات الحية، فهو لا يختلف عنها في هذا السلوك. وهذا ما يؤكده السعي إلى إعادة فبركة عناصر الطبيعة، لكن بصورة أجمل، وأكثر بهرجة. فهو صنع سكاكر أحلى من أي نوع من الفاكهة الطبيعية، وبورنوغرافيا أكثر كثافةً ومبالغةً في محتواها الحسي من أي جنس طبيعي. 



المقارنة بين الطعام والجنس ليست إعتباطية. فهاتان التجربتان الحسيتان تلتقيان في ما يسمى "Food Porn". وهو مصطلح حديث النشأة، يشار به إلى صور الطعام المنمقة التي تجتاح الإنترنت والسوشيال ميديا.


الإكتشاف المثير للاهتمام هو أن مشاهدة صور الطعام التي يشار إليها بـFood Porn، تؤدي إلى استنزاف موارد النشاط الدماغي. فالدماغ لا يميز بين صور الطعام والطعام الفعلي. لذا، هو يستجيب إلى الصور بالطريقة نفسها التي يستجيب بها إلى الطعام الموضوع أمامنا. فنضطر حينها إلى إستنفار بعض العمليات العقلية، لمقاومة الاغراءات، التي لا تنجح بمعظمها، فينتهي بنا الأمر إلى تناول طعام قد ألهمتنا به الصور والإعلانات.


والحال أن بعض الأطباء والمعالجين النفسيين قد وصل بهم الأمر إلى حد اعتبار Food Porn نوعاً من الإدمان. وقد ميز الدكتور في علم النفس دوغلاس كينريك بين ثلاث مراحل أو درجات من هذا الإدمان. أولى هذه المراحل، هي مرحلة الإدمان الكلاسيكي على Food Porn، ويقصد به الإهتمام الزائد بصور الطعام، على نحو شبيه بالإنبهار بالصور الإيروتيكية. تليها مرحلة الهوس بالوصفات. فبورنوغرافيا الطعام لا تقتصر على الجمالية البصرية، بل تقد­­م أيضاً على شكل أطباق من الإغواء البلاغي، وفق تعبير كينريك، الذي يعتبر نفسه من عداد المدمنين على Food Porn. وهو إدمان يدفع الناس إلى شراء العشرات من كتب الطبخ، كأنه "إدمان الهيرويين"، وفق ما يشبهه كيرنيك.


أما أعلى درجات الإدمان وأشدها، فيدعوه كيرنيك إستراق النظر Voyeurism. وهو مصطلح ينتمي إلى ميدان الإيروتيكا، ويقصد به القراءة عن تجارب أشخاص آخرين مع الطعام.

وفي حين لا يمكننا مقارنة عواقب هذا الإدمان بآثار أنواع أخرى من الإدمان، إلا أن الثمن قد يكون على درجة من الخطورة، تتمثل باكتساب مزيد من السعرات الحرارية والكيلوغرامات. فقد أكدت دراسة نشرت في مجلة Frontiers In، أن المأكولات التي تحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون، تنجح في جذب انتباه الناس أكثر بكثير مما تفعل الأطعمة منحفضة الدهون. وفي مقابل كينريك، يرى خبراء نفسيون آخرون أن المبالغة في نشر صور الطعام دليل على علاقة مضطربة مع الطعام.


لكن المؤكد في هذا الخصوص أن سبب نشأة Food Porn وانتشارها، ليس التطور التكنولوجي أو تقدم الجنس البشري، بل عوامل بدائية. فالغريزة التي لطالما وجهت الدماغ البشري في اتجاه البحث عن الطعام أو صيده، كأنواع الحيوانات الأخرى، من أجل الحفاظ على إستمرارية نسلنا، هي المسؤولة عن ظاهرة Food Porn. فمظهر الطعام يشدنا، لأنه يثير الجانب الأكثر بدائية من عقولنا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها