الأحد 2017/04/16

آخر تحديث: 12:01 (بيروت)

اكتشاف "باب الذهب".. في طرابلس

الأحد 2017/04/16
اكتشاف "باب الذهب".. في طرابلس
أعطى المشروع هوية مشتركة لأبناء جبل محسن والتبانة (جنى الدهيبي)
increase حجم الخط decrease
هو شعور بالحنين أن تسترجع مدينة طرابلس تاريخها، وتفتح "باب الذهب" على أيّام عزّها الماضية قبل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، في العام 1975.

في شارعٍ يبلغ طوله 3 كيلومترات تقريباً، امتدّ "باب الذهب" وكان اسماً على مسمّى. حركةٌ دؤوبةٌ لا تهدأ على مدار الساعة. نشاطٌ اقتصادي فاعل ينعكس ارتفاعاً في مؤشر الغنى والبحبوحة ويقترن بمن يملك محلاً في هذا الشارع ومن لا يملك، أو بمن يملك بيتاً يجاوره ومن لم يسعفه الحظُّ في ذلك.

فهذا الباب الذهبي، كان شارعاً سكنيّاً وسوقاً تجاريّاً في آنٍ معاً. انتعشت فيه الخانات والتجارة على أنواعها في العهد العثماني. وكانت البضائع تُجرُّ إليه بعربات الخيل من مرفأ طرابلس وتنتقل منه إلى مدينتي حمص وحماه عبر طريقٍ مُعبّدةٍ رُصِّفت بالحجارة –سميت بشارع سوريا لاحقاً بسبب الارتباط الإقتصادي– فكان أول طريقٍ تجاري من نوعه في مدن شرق البحر المتوسط.

إلا أنّ هذا الباب، وبعدما عجز عن مقاومة الحروب والقتال، انهار ولم يبقَ ذهبيّاً. هو نفسه، شارع سوريا اليوم الذي يمتدّ إلى شارع المهاجرين، أو بالأحرى خطُّ التماس و"المتراس" الذي فصل منطقتي باب التبانة وجبل محسن، وأضحى ضحية عنفٍ دموي وحقدٍ مذهبي كبيريّن في أعقاب أحداث حرب العام 1986، ومن ثمّ الأحداث الأمنيّة المتتالية بين عامي 2008 و2014، التي حولته من باب ذهبي إلى أكبر حزام بؤسٍ وفقرٍ في لبنان.

لكن، ثمّة أملاً يُبصره "باب الذهب" من جديد، مع جمعية "مارش" التي حملت على عاتقها مهمّة تعزيز العيش المشترك بين أبناء جبل محسن وباب التبانة، عبر التوجه إلى شبابهما وكسر الجليد بينهما، بدءاً من مسرحية لوسيان بورجيلي "حب وحرب على السطح" التي شارك فيها أبناء المنطقتين، مروراً بـ"دبكت ضحك"، ثمّ افتتاح مقهى "قهوتنا" في شارع سوريا وجعلها مساحة تلاقٍ اجتماعي وثقافي وفنّي لإطلاق الأفكار السلميّة والإيجابيّة، وصولاً اليوم إلى مشروع "باب الذهب يلا نبني سوا".

فما هو هذا المشروع إذاً؟

في مطلع العام 2017، أطلقت "مارش" مبادرة "باب الذهب" الذي استكملتها بعبارة "يلا نبني سوا"، بهدف تأمين فرص عمل لشباب جبل محسن وباب التبانة، وإعادة الإزدهار إلى المنطقة عبر ترميم وإصلاح المحال التجارية المتضررة جراء تعاقب جولات الاقتتال بينهما. ووفق محمد سحمراني، وهو عضو في "مارش" وأحد منفذي المشروع، فإنّ "الجمعية فكرت باستمرارية مشروعها في المنطقة وتأمين انتاجية للشباب العاملين معها. والأهم، هو التعاون على بناء الشارع الذي سبق أن ساهموا في تدميره، واستعادة هويته الذهبية الأصيلة قبل الحرب"، تحت شعار "زبط منطقتك متل ما خربتها".



هذا المشروع الذي عمل فيه 16 مُعلماً و80 شاباً عاملاً و15 شابة، تقسّم إلى مراحل. المرحلة الأولى، "اخترنا الشباب بعد البحث عن خلفايتهم (مقاتلون سابقون أو يتعاطون المخدرات أو عاطلون عن العمل..) للاختيار واعطاء الأولية للأكثر حاجة". المرحلة الثانية، "استعنا بمهندس للكشف عن محال المنطقة التي غطيّنا منها 104 محلات وكان البحث عن 5 حاجات: الألمنيوم، الحديد، الأدوات الصحية، الكهرباء والدهان".

أما المرحلة الثالثة فـ"علمنا فيها الشباب ودربناهم على العمل في صفوف تعليميّة مع أساتذة متخصصين في التسويق والبناء والإعلانات والغرافيك ديزاينر، كي يكتسبوا مهنة بعد الانتهاء من المشروع". المرحلة الرابعة، "كانت تنفيذية على الأرض وتجاوب فيه أصحاب المحال بإيجابية مع شباب المشروع اقتناعاً منهم أنّه سيحقق لهم نقلة نوعيّة في مصالحهم".

يضيف سحمراني: "أعطى المشروع هوية مشتركة لأبناء المنطقتين، وبدلاً من أن يقول كل واحد منهم أنا ابن الجبل أو ابن التبانة أصبحوا يقولون أنا ابن باب الذهب. فاستطاعوا مساعدة التجار بالتسويق وجذب الناس عبر العروض، لأن الشارع كان يعتمد على التجارة التقليدية من دون مواكبة تغيرات السوق الحديثة".


هكذا، المبادرة التي استمرت أربعة أشهر، والتي ستتبعها مشاريع إنمائيّة أخرى، ستتكلل بمهرجان "سوق باب الذهب"، في 29 نيسان، وسيكون يوماً خالياً من السيارات، يتمكن فيه الوافدون من خارج طرابلس أن يتجولوا في "باب الذهب"، على أن يتخلله بيعٌ للمأكولات الطرابلسية وعرض لمنتجات المدينة من الفخار والصابون والقشّ والأقمشة، بالإضافة إلى عروض مسرحية للشباب. فـ"هذا المشروع غيّر حياتنا وشخصيتنا وكسر عزلتنا. فلم نصدق أن يأتي يوم نكون فيه أصدقاء مع شباب باب التبانة ويجمعنا معهم باب الذهب"، يقول علي أمون، من جبل محسن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها