الثلاثاء 2017/04/11

آخر تحديث: 00:57 (بيروت)

أبواق النساء الحكومية

الثلاثاء 2017/04/11
أبواق النساء الحكومية
روزا لوكسمبورغ أثناء إلقاء خطاب في العام 1907 (Getty)
increase حجم الخط decrease

إختزل مشهد إطلاق مشروع تعديل قانون العنف الأسري، في وزارة العدل، منذ بضعة أيام، واقع صراع المرأة اللبنانية لنيل حقوقها وحريتها كاملة. وإذا أردنا تفكيك هذا المشهد، فبإمكاننا اختصاره بثلاثة عناصر: رجال السياسة الذين يدّعون حمل راية تحرير النساء (ممثلون بوزارة شؤون المرأة). نساء السياسة المقترنات بصورة أو أخرى بالرجال الآنف ذكرهم (ممثلات بالهيئة الوطنية لشؤون المرأة). وأخيراً- وبطبيعة الحال- المجتمع المدني الآخذ على عاتقه خوض هذه المعركة (ممثل بمنظمة كفى).

سنجد هذه العناصر الثلاثة مجتمعة في أي لقاءٍ، مؤتمر صحافي، أو ندوةٍ من شأنها مناقشة إحدى قضايا المرأة. وقد تبدو الصورة ثلاثية الأبعاد هذه، للوهلة الأولى، لطيفة وودية وخالية من الشوائب. فهي تشير إلى إلتفات غير مسبوق من رجال السياسة إلى شؤون المرأة، أو ما يعرف بـ"إشكالية المرأة". لكن، إذا أزلنا الضبابية الودية من هذه الصورة، سيظهر لنا مشهد أكثر قتامة، وأشدّ وضوحاً لناحية شوائبه.

منذ بضعة أشهر، ارتأت الدولة اللبنانية استحداث وزارة دولة لشؤون المرأة. وفي خطوة متوقعة وغير مستغرَبة، اتجهت الدولة إلى تنصيب رجلٍ، جان أوغاسابيان، على رأس هذه الوزارة. فمن خلال رجلٍ، هو ضابط سابق، ستمرّ حقوق المرأة اللبنانية، شؤونها ومشاكلها كلها. وهو الذي قال: "سأعمل لإعطاء المرأة حقوقها المنصوص عليها في النظم الديمقراطية". حقوق المرأة إذاً، رهينةً قرارٍ سياسي صادر عن رجل، وعن منظومة ذكورية كاملة تقف وراءه.

لكن، علينا ألا ننسى أننا كنساء لبنانيات لدينا "هيئة وطنية لشؤون المرأة"، لكي نفتخر بها. ولحسن الحظ، ترأس هذه الهيئة امرأة، لكن من يسميها هو رئيس الجمهورية. فهي "هيئة رسمية مرتبطة برئاسة مجلس الوزراء"، وغالباً ما تتولى رئاستها زوجات الرؤساء أو بناتهم. ففي الولاية السابقة، ترأست الهيئة زوجة رئيس الجمهورية السابق، وفاء سليمان. أما رئيس العهد الجديد فسمّى إبنته، كلودين عون روكز، من أجل هذا المنصب (يا للعجب!). أما عقيلة رئيس مجلس النواب، رندة بري، فهي ثابتة نائبة لرئيسة هذه الهيئة، بالإضافة إلى لمى سلام، عقيلة رئيس الحكومة السابق تمام سلام.

باختصار، لا تدخل دائرة التمثيل الرسمي للمرأة اللبنانية سوى النساء المحسوبات على إسم مذكر في السلطة. هنّ امتداد لهذه السلطة، ودعامة للمنظومة البطريركية القائمة على تحديد حقوق النساء، ورسم المسار الذي سيتخذه الخطاب الحقوقي على الصعيدين السياسي والرسمي. ولنستعد هنا ما قالته المنظّرة الماركسية روزا لوكسمبورغ، في خطابها "حق النساء في الإقتراع والصراع الطبقي"، الذي ألقته منذ ما يزيد عن قرن، والذي نأسف للقول إن التأملات الواردة فيه لاتزال تنطبق على أيامنا الحالية. فقد لقّبت لوكسمبورغ حينها النساء البرجوازيات "قائدات" الحركة النسائية التحررية بـ"طفيليات الطفليات بالنسبة إلى الجسم الاجتماعي، هنّ اللواتي تقتصر وظيفتهن على مشاركة ثمار الإستغلال". كما أن "المرأة البرجوازية ليست مهتمة بالحقوق السياسية، لأنها لا تمارس أي وظيفة إقتصادية في المجتمع، إذ إنها تستمتع بالثمار الجاهزة للهيمنة الطبقية".

ولا يدعم هذا التمثيل البرجوازي لإشكالية المرأة، سوى المجتمع المدني المرتهن هو الآخر لأحد أشكال النظام الإقتصادي النيوليبرالي القائم على السيطرة الطبقية، والمنافي لجوهر تحرّر المرأة من القيود الرأسمالية، التي تشكّل جزءاً أساسياً من معركتها. والحال أن المرأة اللبنانية لن تسجّل إنتصاراً في هذه المعركة ما دامت مستبعدة عن التمثيل المناط بأبواقٍ حكومية، برجوازية ونخبوية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها