كيف هاجر البترول إلى لبنان؟

منذ سنوات برزت فرضية وجود نفط في لبنان. لكن في السنوات القليلة الماضية، تأكدت الفرضية وبدأت الدولة اللبنانية الاستعداد لعمليات استخراجه. على أن تكوّن النفط اللبناني لم يكن عملية سهلة. تحاول "المدن" من خلال طرح 4 أسئلة، توضيح كيف تكون ووصل النفط إلى أراضي لبنان ومياهه.

كيف يتكوّن النفط في صخر المصدر؟
وجدت الدراسات التي نفذت في القرن التاسع عشر أنّ المنشأ الأساسي للنفط هو المواد العضويّة المتحلّلة من نباتات وحيوانات مجهريّة. وهذه المواد، في طريق تحولها، تخضع لظروف محدّدة لجهة الحرارة والضغط لفترات طويلة جداً من الزمن، داخل صخور رسوبية، التي تنشأ أيضاً من البقايا العضوية وتتراكم وتترسّب، على عمق قد يصل إلى آلاف الأمتار. وهذه الصخور تتعرض مع الزمن لعوامل التفسّخ والتشقّق، وتخلق هياكل صخريّة مجوّفة، صالحة لتخزين السوائل.

كيف يهاجر النفط؟
تعرّض هذه المواد لعوامل الضغط الطبيعي على مدى ملايين السنوات، يدفعها نحو النزوح إلى "خزّانات" جوفيّة أكبر. وكي تكون هذه الخزّانات الجوفيّة صالحة، لا بد أن تكون محصورة بين طبقتين، علويّة تمنع خروج المواد نحو الأعلى وسفليّة تمنع تسرّبها نحو الأسفل، كما تحتاج إلى خصائص محدّدة عدة كانت موضوع دراسات جيولوجيّة مختلفة. وتعرف هذه الظاهرة بالهجرة الأولية، وهي عملية هجرة النفط والغاز من صخور المنشأ إلى صخور الخزان، وبينما تسمى الهجرة التي تحدث بين صخور الخزّان نفسها بالهجرة الثانويّة.

لماذا وكيف هاجر النفط إلى مياه لبنان؟
لهجرة البترول من صخر المصدر إلى صخر المكمن في شرق المتوسّط أسباب عدة، أهمها وجود اختلاف في الضغط بفعل الحركات الأرضيّة. فالتباعد التاريخي بين القارّت الثلاث: آسيا، أوروبا وأفريقيا، سمح بتكوّن حوض بحر المتوسّط في شكله الحالي. ولعبت المساميّة العالية لصخور حوض المتوسّط دوراً كبيراً في هذه الهجرة، إذ إن حركة هجرة البترول تكون غالباً في اتجاه "خزّانات" تملك قابليّة لتجمّع وتحرّك كميّة كبيرة من هذه المواد.

أكدت دراسة لجيو-آرابيا، منذ العام 2007، وبعد مراجعة أكثر من 20 ألف كلم من المسوحات، وجود "طرق هجرة" نفطيّة واضحة إلى هذه المناطق، وهي تعطي كذلك أمثلة على أكثر من 200 تسرّب تعتبر من علامات وجود مواقع تحتوي كميّات من الغاز والنفط. والأهم، تشير الدراسة إلى وجود "صخر مصدر" مهم في منطقة دلتا النيل وجنوب حوض المتوسّط، حيث تم تأكيد وجود ما بين 1 و2 تريليون قدم مكعّب من الغاز.

كيف استوعب لبنان النفط والغاز؟
تتشارك حقول الغاز والنفط الممتدّة من قبرص ولغاية جنوب الحوض في مصر الأسباب الجيولوجيّة نفسها التي كوّنت فرص إستيعاب وحفظ هذه المادّة في الصخور الرسوبيّة بعد هجرتها. وتملك المياه اللبنانيّة عنصراً بالغ الأهميّة يجعل تلك الكسور الجيولوجيّة صالحةً لتخزين الغاز الطبيعي، وهي وجود عازل عبارة عن طبقة سميكة من الملح، تشكّل الطبقة العلويّة القادرة على منع تسرّب الغاز أو النفط نحو الأعلى من هذه الخزّانات الجوفيّة.

بالتالي، فإن المناطق الواقعة ضمن المنطقة الإقتصاديّة الخالصة للبنان تمتّعت بالعوامل الجيولوجيّة التي تعطي فرصة كبيرة لاستيعاب الغاز والنفط المهاجرين من صخر المنشأ إلى الصخور الواقعة فيها، وحفظهما لفترات طويلة من الزمن. لكنّ الدراسات حول طريقة تكوّن النفط والغاز في أراضي لبنان ومياهه البحريّة مازالت في بداية الطريق. وكون الاهتمام الدولي بإستثمار هذه الموارد البتروليّة لم يمض عليه كثير من الوقت، فمن المتوقّع أن تعطي دراسات أكثر تفصيلاً معلومات قيّمة في هذا السياق. ما سيؤكّد أو يصحّح هذه الفرضيّات.