الإثنين 2017/03/06

آخر تحديث: 01:35 (بيروت)

طراد تعلم الموسيقى بعصا ومسمارين

الإثنين 2017/03/06
طراد تعلم الموسيقى بعصا ومسمارين
لم أحب الصيدلة يوماً وهذا ما حفزني على متابعة الموسيقى
increase حجم الخط decrease
"جئت بعصا ووضعت عليها مسمارين، وربطت بهما خيطاً من نايلون. كنت أصدر النغمات بشدّ الوتر أو وضع الإصبع. وكان هذا أول استكشاف مباشر للنغمات. لم أختر الموسيقى. لم أختر الناي أو الكلارينيت. لم أعد أتذكر الدافع المباشر لتعلمي الموسيقى. كأنني تعلّمت بشكل لا إرادي".

عادة ما تبدأ القصص بذهاب الأهل إلى أستاذ ليعطي أبناءهم دروساً في الموسيقى. وبعدها إمّا أنّ يكونوا موهوبين أو لا. لكن، هذا لم يحدث مع عازف الكلارينيت والناي السوري طراد طراد. "ما حدث لي هو أنني تعلمت الموسيقى وحيداً وببطء شديد. كأنني طفل مولودٌ وحيداً في غابة".

في عمر ١٢، اشترك طراد في فرقة الكشافة النحاسية. لم يتعلم قراءة النوتة أو كتابتها. "كنا نعزف الترومبيت بالتلقين. وفي تلك الفترة أدركت أنني أملك شغف التعلّم. وبدأت أعزف على تلك الآلة الغربية ألحاناً شرقية مع ربع تون ومن دون دراية نظرية كافية. ثم بدأت أبحث عن آلة موسيقية شرقية أمتلكها كالعود أو الكمان، فلم أجد أرخص من قصبة فيها سبعة ثقوب. فكان الناي، الذي اشتريته مع كتاب للتعليم". بدأت عندها رحلة طراد الصعبة لاستكشاف مفردات غريبة. "الكروش، البيمول ومفتاح السول؟ كنت أحاول فك هذه الشيفرات، لكن بصعوبة وبطء".

مرت سنتان على هذه الحالة. "قطعت شوطاً كبيراً في قراءة النوتة ومعرفة المقامات الموسيقية والعزف العملي. ثم بدأت ألتقي بعازفين من قريتي، فيروزة القريبة من مدينة حمص. شكلنا فرقة موسيقية شرقية محلية وقدمنا بعض الأمسيات. بعدها بدأنا التردد إلى حمص، التي كانت تعج بالفرق والنوادي الموسيقية الشرقية. قدمنا مع فرقة حمص لإحياء التراث، حفلات على مسارح حمص وحماه وحلب ودمشق. ولأسباب مادية سيئة أيضاً، إضطررت إلى العمل في أجواء لا ترضي أحلامي الموسيقية كحفلات الزفاف. لكنني لم أستمر في ذلك واعتزلت هذه المهنة كلياً".

الإذاعة السورية وباخ
في تلك الفترة، انتقل طراد إلى دمشق لدراسة الصيدلة. "اخترت الصيدلة لتأمين معيشة لائقة تمكنني من متابعة الموسيقى كعلم وبحث وتمكنني من انتقاء أماكن ممارستها. لكن المفارقة أنني لم أحب الصيدلة يوماً. فكان ذلك حافزاً إضافياً لمتابعة الموسيقى".

في دمشق، وبالصدفة تعرف طراد إلى الموسيقى الكلاسيكية الغربية عن طريق إذاعة دمشق، التي كانت تبث عند الساعة العاشرة مساءً ولمدة ساعة كاملة إحدى الأعمال الكلاسيكية. "سحرت بعصر الباروك وتحديداً بموسيقى فيفالدي وباخ. وحينها، قررت تعلم الفلوت كونها الآلة الغربية الأقرب إلى الناي. لكن الوضع المادي منعني مجدداً من شراء واحدة. فاشتريت كتب صولفيج ونظريات، وتعلمت العزف على تلك الآلة نظرياً".

والصدفة نفسها أدت دوراً جديداً. فـ"في إحدى زياراتي لفرقة كشافة القرية، أخبرني قائد الفرقة أنه حصل على آلة موسيقية غربية من مغترب في أميركا، فأعطاني إياها. كانت الكلارينيت. وكانت مرحلة جديدة من البحث والتعلم". لكن طراد، الذي لم يشتغل بالموسيقى خلال دراسته الصيدلة، استمر في التعلم والبحث، حتى بدأت الحرب في سوريا. "كان لي تجربة قاسية في بدايتها. حاولت الصمود. لكن الوضع كان أقوى، فانتقلت إلى لبنان للعمل في الموسيقى".

في بيروت
"لا يستطيع العازف المحترف الذي يعيش من مهنته أن يختار دائماً أماكن أو أجواء عمله"، يقول طراد. "ورغم ذلك، كانت معظم الأجواء التي عملت فيها ذات مستوى فني عالٍ. من البرامج التلفزيونية إلى الكونسيرات المهمة إلى التسجيلات الموسيقية في بعض الألبومات. ومن الموسيقى الشرقية البحتة إلى الكلاسيك والفيوجن إلى الجاز والروك والفلامنكو، والأجواء الشعبية الطربية اللبنانية".

في لبنان، كان لطراد تجارب مع موسيقيين ومغنيين محترفين، كخالد الهبر، أسامة الرحباني، غدي الرحباني، إيلي براك، ريان الهبر، شربل روحانا، لبنان بعلبكي، الأخت مارانا سعد، زياد سحاب، أندريه الحاج وجورج خباز. "صحيح أنني لم أكن راضياً بشكل كامل عن أدائي، لكن كانت نسبة الرضا مقبولة. أقول لنفسي أحياناً، لو كان هذا الكونسيرت أو ذاك الآن لكنت أديت العزف بشكل أفضل، لكنني أؤمن أن الإنسان في تطور مستمر".

يقول طراد إن لبنان "فسحة سماوية للموسيقي في العالم العربي". لكنه يبقى "جزءاً من هذا الشرق المظلم. فليس سهلاً انجاز مشروع فني أو غير فني فيه".

الهجرة إلى أستراليا
لم يكن قرار هجرة طراد إلى أستراليا سهلاً. لكنه كان ضرورياً وحتمياً، "خصوصاً بالنسبة إلى إبني الذي قضى في لبنان خمس سنوات، أي ما يزيد عن نصف عمره". يقول طراد: "لقد طويت مع الهجرة أهم تجاربي الفنية. والآن أبدأ مرحلة جديدة. لن تكون سهلة، على الأقل في سنتها الأولى. أتمنى أن أصنع مشروعاً فنياً جديداً هنا مع أحد الموسيقيين الأستراليين أو المهاجرين. أعتقد أنني أملك تنوعاً في أدائي الموسيقي يتيح لي خيارات واسعة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها