الجمعة 2017/03/17

آخر تحديث: 06:17 (بيروت)

حياة الإنسان ليست أهم من حياة المحار

الجمعة 2017/03/17
حياة الإنسان ليست أهم من حياة المحار
ما معنى هذه الحياة التي نحياها؟
increase حجم الخط decrease

لا يزال مبدأ "قدسية الحياة" محافظاً على موقعه الصلب كمحرم يحظر نقده، أو حتى إعادة النظر فيه. إذ يمنع أي حديثٍ عن الانتحار. وفي حين يمكن فهم التوجه العقائدي الذي يؤمن بقدسية الحياة، إنطلاقاً من التعاليم الدينية، إلا أن الموقف العلماني الذي يسلم بهذه القدسية لايزال ملتبساً، وبحاجة إلى تفسير. فلماذا تعتبر الحياة مقدسة بنظر علماني أو ملحد لا يؤمن بالمقدسات؟ وما الضير في فتح النقاش؟

يغرق العالم اليوم في الخطابات والمعارك الحقوقية، التي يدور أغلبها حول حق الأفراد في حياة كريمة وعادلة. لكن يندر الحديث عن الحق في إنهاء هذه الحياة، ويكاد يكون محصوراً بحالات الموت الرحيم. تاريخياً، لم يكن الوضع مختلفاً، بسبب سطوة المعتقدات الدينية على المجتمعات. لكن من بين الفلسفات المتعددة التي اشتهرت بها العصور السابقة، برزت فلسفة إغريقية فريدة، تقر بالحق في الانتحار.

ازدهرت فلسفة Stoicism (التي تعني تحمل الألم وكبت العواطف والغرائز) بدءاً من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثالث بعد الميلاد، في كل من اليونان القديمة والإمبراطورية الرومانية. فقد أسس زينون الرواقي، الفيلسوف الهيليني ذي الأصول الفينيقية، هذه المدرسة انطلاقاً من اعتقاده بأن المشاعر تعرقل التفكير المنطقي، وتولد أحكاماً خاطئة. عليه، نادت هذه الفلسفة بالخير والفضيلة كسبيل للسلام الداخلي.

لكن رغم الترويج لها على أنها "طريقة للعيش"، والتركيز على ضرورة القبول بالحياة التي وهبت للإنسان، وعيشها بطريقة صالحة وجالبة للفرح، آمنت هذه الفسلفة أيضاً بشرعية الانتحار لمن يفوق ألمه أو مرضه قدرته على التحمل. إذ كان الانتحار مسموحاً به للشخص الحكيم، الذي يجد نفسه في ظروف تمنعه من عيش حياة شريفة. وجدت هذه المدرسة الفكرية أن الحياة ليست قيمة بنفسها، فالقيمة الحقيقية هي في كيفية عيشها. وقد اعترفت أن الحياة في بعض الأحيان قد لا تستحق العناء.

بالانتقال إلى القرن الثامن عشر بعد الميلاد، ظهر الفيلسوف الإسكوتلاندي دايفيد هيوم، الذي عرف الفلسفة على أنها نقيض الخرافة. في مقالته المعنونة "عن الانتحار"، اعتبر هيوم أن أفكار الناس عن الانتحار وقدسية الحياة تنتمي إلى ميدان الخرافة. فالخرافة، التي تنبع من الخوف من إغضاب الآلهة، هي التي تجبر الناس على البقاء أحياء حتى حين يفضلون الموت. ولا يرى هيوم في الانتحار أي إهانة للآلهة، خصوصاً أن التدخلات الطبية لإنقاذ الحياة، يمكن اعتبارها هي الأخرى بمثابة معارضة لإرادة الآلهة.

أما في ما يخص واجب الإنسان تجاه مجتمعه (كالأسرة والأصدقاء)، فقد رأى هيوم أنه يمكن التغاضي عن هذا الواجب، حين يتلقى الإنسان فوائد قليلة جداً من هذا المجتمع. وعن الكون الأكبر، يقول هيوم إن "حياة الإنسان ليست أهم، بالنسبة للكون، من حياة المحار".

أما في الفلسفة المعاصرة، فلا يفسر رواد المجال، مسألة الانتحار وفق معايير أخلاقية. وقد رأى المفكرون الوجوديون في هذه المسألة، مادة فلسفية جديرة بالبحث والنقاش. فعلى حد تعبير الفيلسوف آلبير كامو "ليس هناك سوى إشكالية فلسفية واحدة، وهي إشكالية الانتحار".

بعد عقود من زمن نشأة الفلسفة الوجودية وازدهارها، يبدو اليوم أن هذا النقاش قد تضاءل، وفاز فيه الخطاب الأخلاقي، على الخطابين الفلسفي والمنطقي. ولا تتمحور الجدلية هنا حول حق الإنسان بالانتحار، بل تذهب أبعد من ذلك، وصولاً إلى طرح السؤال الأزلي: "ما معنى هذه الحياة التي نحياها؟"، الذي سيقودنا حتماً إلى سؤال آخر: "هل يستحق هذا المعنى أن نحيا من أجله؟". وهنا، لا بد أن نعيد النظر بمبدأ قدسية الحياة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها