الجمعة 2017/02/24

آخر تحديث: 08:45 (بيروت)

كيف تكبلونه؟

الجمعة 2017/02/24
كيف تكبلونه؟
كان يحب الصمت (Getty)
increase حجم الخط decrease
لم نكن نعرف ماذا يحدث مع رامي (إسم مستعار) بعد عودته من أفريقيا. صار يسأل أي شخص يتعرف إليه: "شو إسمك الثلاثي؟ وشو إسم أمك؟". ثم عندما اسأله: "لماذا تريد أن تعرف هذه المعلومات يا رامي؟"، يجيب: "ع صحة السلامة".

لثلاثة أيام لم نسمع سوى "ع صحة السلامة"، و"شو إسمك الثلاثي؟"، ولم نكن نعرف ماذا علينا أن نفعل. لا يريد الذهاب إلى بيت أهله، ورفض إخبارنا ماذا حدث معه في أفريقيا، وكيف استطاع الإنتقال من مالي إلى السنغال من دون نقود. آخر ما قاله قبل العودة إلى بيروت، أنه تعرض إلى الطرد من المنطقة التي يعيش فيها، مع لبنانيين آخرين.

لكن رامي لم يكن أصلاً شخصاً سوياً. في السنتين الأخيرتين، كان يسافر كل شهرين من أجل العمل ثم يعود ليسافر من جديد بعدها. انتقل إلى أربيل، ثم إلى الأردن، ثم عاد إلى أفريقيا. لم يكن يستطيع البقاء في مكان واحد، كما أنه كان عاجزاً عن إكمال شهرين كاملين في أي شركة يعمل فيها.

أَعتقد أن القصة بدأت قبل سنوات، عندما قرر رامي تجربة LSD، وهي مادة مهلوسة يستمر مفعولها لساعات. قال لي إنه خاف كثيراً، وأنه رأى كثيراً من الجماجم. بعد أيام من الحادثة، قام باستدعاء كل صديقاتنا الفتيات إلى منزله، وبدأ يعتذر من كل واحدة، على ما فعله من أمور سيئة تجاههن. تغير كل شيء منذ تلك اللحظة، وتحول رامي شخصاً مختلفا.

قبل الحادثة، كنت أمضي كثيراً من الوقت معه، لأنه لا يحكي كثيراً، ويهوى الصمت. عندما نصعد إلى منطقة جبلية للتخييم، وخلال ساعات الليل، كان يمنعنا من الكلام. يجلس على حافة صخرة. يحمل كأساً من الويسكي ويدخن بشراهة، ثم يغمض عينيه ويحاول الاسترخاء. يمضي ساعات على هذه الحال من دون أن يتفوه بكلمة. كان يقول إنه يريد أن "يروّق، لأنو هربانين من بيروت لننبسط بالرواق".

لم أكن أعرف كثيراً عن أهله سوى أن والده تركه خلال طفولته. بعد حادثة LSD، لم يعد يخرج من المنزل كثيراً. استأجر له أخوه استديو صغيراً في ضواحي بيروت، كي يريح أمه من الشجار الدائم وكي يرتاح هو أيضاً. قال لي مرة، إن منزله هو المكان الوحيد الذي لا يشعر فيه بالخوف. يمشي في الطريق فيشعر بالتوتر، والناس تنظر إليه بطريقة غريبة. الأشخاص الذين كان يراهم هم شباب الديلفري، العاملون في المطاعم والدكاكين المجاورة، بالإضافة إلينا، نحن أصدقاءه.

عندما لا نكون موجودين معه، يمضي وقته بالتنظيف والترتيب. يقول إن لديه OCD، كي يبرر تصرفاته الغريبة، وإصراره على وجود كل غرض في المنزل، في المكان الذي أراد له أن يكون فيه. أدمن مشاهدة القنوات العلمية وصار يعرف كثيراً عن عالم الفضاء والحيوانات، ويهوى مشاهدة الأفلام والبرامج التي تحكي سير العلماء والمخترعين، حتى أننا كنا نظن أنه سيصبح مخترعاً يوماً ما، بسبب فائض المعلومات التي بحوزته.

عندما حل الصباح، وكان لايزال يهلوس بالجماجم والأموات، قرر الذهاب إلى فرن قريب، ربما تتحسن حالته. طلب كل الأنواع الموجودة على لائحة الطعام، أي نحو 12 منقوشة، بالإضافة إلى كوب من الشاي. أكل قطعة صغيرة من منقوشة الجبنة وشعر بالإنتفاخ. خرج من الفرن، وقرر التوجه إلى منزلي. عندما فتحت له الباب فوجئت بلون وجهه الأصفر. لم أكن أعرف أن بإمكان لون الإنسان أن يتغير بهذا القدر. جلس على الكنبة وكان يرتجف، وأخبرني أنه أخذ مادة مهلوسة. بدأ بالنظر إلى المكيف وهو يخرج الهواء. سألني إن كان الهواء بارداً أو ساخناً، فأخبرته أنه بارد. طلب مني أن أطفئه، ثم نام على الكنبة وطلب مني أن أغطيه.

بعد عودته من أفريقيا، وتفاقم حالته، بدأ أصدقاؤه يبتعدون عنه. حاولت التكلم مع والدته، وإخبارها عن وضعه، لكن بالنسبة إليها، أن السبب هو الكحول الذي خرّب عقله. رفضت أخذه إلى حكيم نفسي، وبعد أيام عرفت أنهما تشاجرا وأنها طلبت الدرك وقالت لهم إن إبنها السكرجي قد ضربها. داهم عناصر الدرك المنزل، ودخلوا إلى رامي السكرجي الذي يضرب والدته، ثم كبلوه وأخذوه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها