الأربعاء 2017/02/22

آخر تحديث: 08:57 (بيروت)

نهى باز.. ذواقة الأكل والسعادة

الأربعاء 2017/02/22
نهى باز.. ذواقة الأكل والسعادة
ما الرابط بين طبّ الأطفال والطبخ؟ (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
"كان الزمن في بيتنا على شكل مواسم"، تقول نهى باز، طبيبة الأطفال والخبيرة في فن التذوّق. "الثلاثاء مثلاً كان يوم الكبّة، وكانت تُحضّر كل أصناف الكبة في بيتنا نفسه. أمّا في الربيع فيكون موعدنا مع الأجبان، وكنت أجلس إلى جانب السيدة التي تحضر لنا جبنة الشلل وأراقبها باهتمام كبير". لا يمكن لنهى أن تتحدث عن شغفها بالمطبخ والأطباق والأكل وفن التذوّق من غير أن تقوم بنزهة سعيدة إلى الماضي، إلى طفولتها بشكل خاص.

بين أب لبنانيّ سوريّ الأصل وأم سويسرية، تعرّفت نهى منذ الصغر إلى المطبخين والثقافتين، الشرقيّة والغربيّة. وعندما كبرت، أتقنت الإثنين، حتى باتت تتنقل بينهما كأنها تتنقل بين غرف منزل الطفولة الأولى، في حلب. أمّا في جزين، مسقط رأسها اللبناني، فتقول نهى إنها تعرفت إلى المطبخ الشرقيّ عن كثب. "كنا نمضي شهراً واحداً من العطلة الصيفيّة في جزّين، ويعود إلى ذاكرتي مشهد الخبز المرقوق على الصاج".

"الطاولة إلفة، والسفرة تجمع وتعزز الصداقات"، تقول نهى التي كبرت في بيت يولي أهميّة كبيرة للولائم ولمن يجتمع حولها. "كانت كل الأطباق وكل المؤن تُحضّر في البيت. وكان في هذا الأمر فخر كبير لنا ولوالدَيّ اللذين كانا يشرّعان أبواب بيتنا لاستقبال الضيوف حول مأدبة غداء أو عشاء".

لذة الأكل
بعدما تعلّمت في عدد من مدارس الطبخ وفن التذوّق في أوروبا، قرّرت نهى التخصص في معهد الدراسات العليا في فن التذوق وفن الأكل وفنون الطاولة في ريمس، في فرنسا. "كنّا 28 طالباً من أنحاء العالم، وكنت اللبنانية الوحيدة بينهم". وبعد 12 عاماً من دراسة الطب "كنت مازلت أتعلّم، وكنت مازلت طالبة"، تقول ممازحة. بعد امتحان خطيّ خضع الطلاب له، لم يبق منهم سوى 15 كانت نهى في طليعتهم.

في آخر السنة، قدّمت أطروحتها التي تناولت موضوع كيفية نقل الذوق والتذوّق إلى الأطفال وحازت هبة لطباعتها ونشرها في كتاب عنوانه "شمس صغيرة في مطبخكم". "كان موضوع أطروحتي فرصة لكي أمزج بين مهنتي التي أعشق وشغفي في المطبخ"، تشرح نهى التي غالباً ما تُسأل عن الرابط بين طبّ الأطفال والطبخ. "أجيبهم أن الأطباء يودعون مرضاهم بوصفة طبيّة، والطبّاخ بوصفة أكل. وفي الحالين، تكون الوصفة هدفها راحة الآخر ورفاهيته".

"لكل واحد منّا مفتاحه إلى الأكل"، تقول نهى قبل أن تضيف: "وهذا أكثر ما يثير شغفي في ما يتعلّق بعالم الأكل والطبخ والتذوّق". أمّا الصور التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لأطباق حضّرتها بنفسها، فغالباً ما تذيّلها بالعبارة التالية: "الأكل لذّة بسيطة قادرة على جعلنا سعداء". 


طبق للذاكرة
للجانب الاجتماعي للطبخ والأكل حيّز كبير من اهتمام نهى، بل الحيز الأكبر. "عندما أحل ضيفة على سفرة أحد ما، أسأل دائماً عن الطبق الذي تم تحضيره في البيت"، تقول نهى، "أسأل عن الطبق الذي يربطهم بهذا البيت". فكل طبق مرتبط بالذاكرة، وكل ذكرى لها طعم معيّن لايزال تحت اللسان جاهزاً للاستحضار في أي لحظة. عندما جاءت نهى بابنتها البكر إلى لبنان للمرة الأولى، وكان عمرها 4 سنوات قضتها كلّها في فرنسا، كان لا بدّ لها من أن تعرّفها بوطنها. "الموسيقى، الأكل واللغة"، تقول نهى. "علّمتها اللغة العربية، وأسمعتها فيروز ومغنيّن آخرين، وأطعمتها التبولة والمنقوشة بصعتر والمجدّرة".

هذه القصص التي ترتبط بالأكل قررت نهى أن تجمعها في كتاب صدر مؤخراً تحت عنوان "الطبق من حيث آتي أنا". في الكتاب الذي لا يكتفي بتعداد مقادير الوصفات وكيفيّة تحضير الأطباق، 55 بورتريه لشخصيّات يكون المدخل للتعرف إليها هو الطبق المفضل لكل منها. ومن بين هؤلاء زوجة المصمم اللبناني العالمي إيلي صعب، منى الهراوي أرملة الرئيس اللبناني إلياس الهراوي، الشاعر والديبلوماسي صلاح ستيتيه والكاتبة تيريز دحدح الدويهي. "بعض الشخصيات ليست بالضرورة معروفة، لكنّ لي ذكريات مع مطابخها وسفرها"، تشير نهى.

"هل من جوائز تعطى للكتب التي تتناول فن الطبخ والتذوق؟"، سألت نهى مرّة فيما كانت ضيفة على إحدى الموائد. بعد جواب بالنفي، قررت أن تأخذ على عاتقها إنشاء أول جائزة تجمع بين حبّها فنّ التذوق من جهة وعشقها الأدب والكتب من جهة أخرى، فكانت "الجائزة الأدبية زرياب" التي تعطى كل سنة لكتاب واحد يكافأ بمبلغ قدره 5 آلاف يورو، التي أطلقت في العام 2014. لكن "الشرط هو أن لا يكون كتاب وصفات فحسب، فالأكل قبل كل شيء فعل اجتماعيّ".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها