الثلاثاء 2017/02/14

آخر تحديث: 04:24 (بيروت)

فلنتصالح مع الكسل

الثلاثاء 2017/02/14
فلنتصالح مع الكسل
أن لا نفعل شيئاً على الإطلاق هو الفعل الأصعب فكرياً
increase حجم الخط decrease
اشغل نفسك، فالأشخاص المنشغلون دائماً لا يملكون وقتاً للتعاسة. هذا ما نصحنا به الجيل الأكبر، وما تروج له ثقافة الإنترنت، التي تحاول من خلال أقوال وخطاباتٍ تحفيزية معدة لإلهامنا، أن تعطينا سبباً للنهوض والعمل والمحافظة على نظرةٍ إيجابية للحياة والعالم. "احذروا الوقت الفارغ"، تقول لنا "خطابات الإلهام"، فالوقت الفارغ يعتبر رديفاً للأفكار، وأن نفكر يعني أن نطلق العنان للأفكار السلبية كما الإيجابية. وإن لم نقتل الوقت، قد يقتلنا هو... فحذار الوقت.

لسببٍ ما، أصبح الإنشغال المتواصل، مقروناً بشكلٍ حتمي بالتفاؤل والتفكير الإيجابي. مقاربة تتلخص بالقاعدة التالية: المهم أن تفعل شيئاً. أما موضوع الفعل، فيأتي بالدرجة الثانية. لكن، في المقابل، يتحول الكسل إلى أحد المحرمات الأكثر خطراً، فهو بمثابة نهر راكد من اللذة، إن تجرأنا على غرز قدمينا في مياهه، قد نغرق به إلى الأبد.

تحت لذة الكسل، قد نرتطم بتيارات ودواماتٍ ليست سوى إنعكاس لصراعاتنا الداخلية. فحذرنا من الكسل ليس سوى تجسيد لعلاقتنا الملتبسة مع الوقت، فنحن نخافه ونسعى للهرب منه كي لا نشعر بثقله، ونسرقه في أحيانٍ أخرى كي لا يهرب منا هو الآخر. لكن المعضلة الحقيقية هنا ليست الكسل، فهذا الأخير هو مجرّد عارض لإضطراب أكبر يتمثل بمعادلة "إما أن نطوّع الوقت أو يطوّعنا". في الحالين، ندخل في صراع صامت مع الوقت، إلا أنه صراع غير متكافئ. ذلك أن الوقت بلا حدود ومحدود جداً في آن.

بعبارةٍ أخرى، نرتطم دوماً بقصور تمكننا من قياس الوقت، ذلك أن الزمن، وتلقفنا له، أعقد من أن يقاس بالطرق الموضوعية التي ابتكرها الإنسان. لكننا اخترعنا، في المقابل، أساليبنا الدفاعية تجاه عبثية الوقت ووهمه. نركض، نستمر في الركض، من دون وجهة محددة، نلهث، ونتوقف عن التنفس أحياناً، من دون أن نلحظ. نصنع الأهداف الوهمية، وننسى أنفسنا في خضمها. نكدس القلق، الأرق والتعب. نقضي على الوقت، كي يقضي علينا في النهاية. لكن ننسى، وسط هذا العنف المتبادل، أن هناك خياراً ثالثاً هو التصالح مع الوقت. الاعتراف بتفوقه علينا، بانعدام محدوديته، في مقابل فنائنا الحتمي.

فقط حين نتصالح مع الوقت بإمكاننا أن نتصالح مع الكسل. فقط حينها، تتحول علاقتنا المتجاذبة مع الكنبة، إلى علاقة حب خالية من الذنب، والقلق. تمتد من الكنبة والريموت كونترول إلى نواحي حياتنا الأخرى، حتى الفكرية منها. وعلى حد تعبير الكاتب أوسكار وايلد "أن لا نفعل شيئاً على الإطلاق هو الفعل الأصعب فكرياً".

الموقف السلبي من الكسل يجمع في الوقت نفسه بين القيم الدينية التقليدية والقيم الاجتماعية والإقتصادية الحالية. ففي الديانة المسيحية، الكسل هو أحد الخطايا السبعة المميتة، والإسلام يحيينا على خير العمل. أما الثقافة الرأسمالية، فتدفعنا إلى استهلاك الأهداف والنشاطات التي تصممها لنا. الذنب الذي يولده ركودنا وخمولنا ليس ذنباً فطرياً ومجرداً من التأثيرات الخارجية، كما نظن. بل حصيلة العقائد التي تشربناها، من هنا وهناك. يصبح الكسل، بناءً على هذه المعادلة، أحد أساليب مقاومة القيم الجماعية التي أسقطت علينا، لمصلحة الاعتراف برغبتنا الذاتية في الإنغماس بلذة اللاشيء، كتدريب على الفناء. أو كما يقول المثل الإيطالي "من اللذيذ ألا نفعل شيئاً".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها