الأربعاء 2017/02/01

آخر تحديث: 00:54 (بيروت)

بيروت ضد المشي

الأربعاء 2017/02/01
بيروت ضد المشي
تصنيف الشوارع في بيروت هو أحد الحلول (المدن)
increase حجم الخط decrease
غالباً ما يمتعض الآتون إلى بيروت، من مدن أخرى ذات تخطيط مدني وعمراني فعال، من عدم جاهزية طرق المدينة لمن يرغب في التنقل فيها مشياً. فمرة، وفي حديث مع أصدقاء جاءوا من باريس، استغربوا كيف أن مسافة من الحمرا إلى الجميزة تحتاج إلى تاكسي أو سرفيس، رغم أنها مسافة قصيرة مقارنة بما يمشونه عادة في العاصمة الفرنسية. طبعاً، لا يمكن تلخيص المشكلة في هذه القصة، لكن يمكن أن نستخلص منها المعاناة الحاصلة، لأن التخطيط الناجح غالباً ما يبدأ من أسفل إلى أعلى.

العوائق التي تجعل المشي في بيروت أمراً متعباً نفسياً عديدة. فالأرصفة، إن كانت خالية من الأضرار، غالباً ما تنتهكها السيارات، أو تكون ضيقة ومليئة بالعوائق. ما يزيد التوتر ويجعل المشي أمراً مزعجاً. كما أن جسور المشاة قليلة والتقاطعات، مع وجود شارات السير أو من دونها، لا تراعي أدنى معايير عبور المشاة بطريقة آمنة ومريحة.


السيارات، وفق القانون، يجب أن تتراجع أمتاراً عدة عن المنحنيات، لكن في بيروت يركنها أصحابها على مدار المنحنى، قاطعين بذلك صلة الوصل بين الطريق والرصيف. أيضاً ممرات الأشخاص المعوقين، التي وإن رأينا بعضها في مناطق كالحمرا ووسط بيروت وغيرهما، يبقى وجودها معدوماً في مناطق أخرى، أو منتهكاً.

مشاكل الطرق في لبنان تكاد لا تنتهي، ولا بد هنا من الاضاءة على إحدى المشاكل الأساسية التي تعاني منها العاصمة بيروت، وهي العلاقة الملتبسة بين شرق المدينة وغربها. فالمشي بين المنطقتين مازال أمراً صعباً، خصوصاً مع وجود نوع من أشباه الأوتوسترادات عند الصيفي وما يسمّى بالرينغ (جسر فؤاد شهاب). كأن شرق المدينة وغربها مفصولان بممرات سريعة، وإن وجدت فيها إشارات السير، تبقى في ذهن المشاة غير مرحِّبة بهم. وهذه مشكلة بنيوية لها علاقة بإعادة بناء المدينة بعد الحرب.

وفي هذا الإطار، يرى إبراهيم منيمنة، المهندس العامل في مجال التخطيط المدني في لبنان منذ سنوات، ورئيس لائحة "بيروت مدينتي" للانتخابات البلدية في بيروت 2016، في حديث إلى "المدن"، إن "مشكلة المشي في بيروت لها مداخل عدة: لا يوجد في بيروت معايير لتصنيف الشوارع، حيث كل طريق يتسم بتصميم وطول مختلف عن الآخر. وهناك أيضاً العوائق التي تضعها مؤسسات، لا تقوم بالتواصل مع البلدية، كأعمدة الكهرباء والباركميتر، ومؤخراً صناديق الكاميرات الضخمة، إضافة إلى المشاكل في بناء الأرصفة، التي تكون عالية أحياناً لكبار السنّ وغير عملية للأشخاص المعوقين أحياناً أخرى. أي أنها لا تراعي الفئات المختلفة التي قد تستعمل الرصيف". عليه، يرى منيمنة أن حل المشكلة "يبدأ من تصنيف الشوارع ثم إعادة تأهيل الأرصفة، وأخيراً تعاون الأجهزة المختصة لازالة العوائق". يضيف منيمنة: "تحسين الأرصفة وغيرها من منشآت المشي في بيروت، لا بد أن يكون سهلاً لأن التدخل محصور بالأماكن العامة، ولا يطال ممتلكات خاصة".


لكن، يبدو أن للبلدية رأياً آخر. يقول مصدر في بلدية بيروت إن "بيروت بالطبع ليست المدينة الفاضلة، لكن الأرصفة فيها نظيفة والمشي في أماكن مثل كورنيش المنارة أمر سهل وممتع". كما أن "البلدية تسعى دائماً إلى تحسين وسائل التنقل في المدينة عند الحاجة، رغم أن الأرصفة بحالة جيدة، وهي تساعد المواطنين على التنقل براحة وسهولة". وعند الاستفسار منه عن مصير مشروع البلدية في شارع غورو في الجميزة، بعدما ظهر اعتداء بالزفت على الرصيف، يقول: "تمت تغطية بعض العيوب بالزفت، على أن يتم تبليط الشارع بأكمله لاحقاً، كجزء من المشاريع الجديدة للبلدية".

المشي في المدينة ليس فعلاً فيزيائياً فحسب، بل هو علاقة تفاعل مع المدينة وسكانها. فبيروت المدينة الصغيرة، كما يراها الوافدون إليها، يبقى مستغرباً ألا يكون المشي فيها أمراً متاحاً وسهلاً. وجهة النظر التي طرحها منيمنة تعطي بوادر للتحسين، لكن هذا "الارتياح" من البلدية، ربما يشير إلى أن رصيف المدينة سيبقى كما هو عليه إلى أن تأتي الانتخابات البلدية المقبلة في العام 2022. وربما أكثر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها