الجمعة 2017/12/29

آخر تحديث: 13:46 (بيروت)

رجال أسرع من الهليكوبتر

الجمعة 2017/12/29
رجال أسرع من الهليكوبتر
ينطلقون كالبرق يتبعه الرعد (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا يعرف هواة الانفعالات المثيرة حدوداً لإشباع شغفهم بكل ما يضاعف دقات القلب ويحبس الأنفاس. من بينهم، يتألق متزحلقون على الجليد فريدو النوع، تجاوزوا سرعة 250 كم/ساعة لمسافة كيلومتر واحد. فرياضتهم المفضلة تدعى kilometro lancio، المختصرة بـKL، بحسب تسميتها الإيطالية، ما يعني "الكيلومتر المنطلق".

ينطلقون كالبرق يتبعه الرعد، حتى ضاهوا المروحيات سرعة، إنما من دون مراوح، ولا أي محرك. فالهواء هو "النفاث" الوحيد. الآن، بات الإيطالي إيڨان أوريغوني (30 عاماً) صاحب أعلى رقم قياسي: 255 كيلومتراً (إلا "شوي") في الساعة، حققه في العام 2016 محطماً رقم أخيه الأكبر سيموني أوريغوني (38 عاماً). ومواطنتهما ڨالنتينا غريغجيو حققت الرقم العالمي الجديد للنساء، في العام 2016 أيضاً، بسرعة 247 كم/ساعة.

ترى هل يتمكن مصورو الفضائيات، وهم على متن الهليكوبتر، من متابعة هذه اللحظات الخاطفة عن كثب، بما أن تسارع تلك "الصواريخ البشرية" قد يتجاوز قدرة التعجيل لبعض المروحيات التلفزيونية؟

وربما يبارك ممارسو الكيلومتر المنطلق إسحاق نيوتن لاكتشافه قانون الاستمرارية. فظاهرة الاستمرارية تفيد بأن الكتلة تستمر بحركتها لولا احتكاكها بجسم مقاوم. والهواء هو "العدو" الذي يسعون إلى التغلب عليه إلى أقصى حد ممكن للحد من مقاومته ورفع السرعة المجنونة.

وفي العام 1930، تم تنظيم أولى المنافسات في سان موريتز في جبال الألب السويسرية. فاز بها النمساوي غوستاڨ لانتشنر، الذي حقق سرعة اعتبرت "فضائية" وقتها: 105 كم/ساعة. ثم أصبحت محطة تشيرڨينيا الشتوية الإيطالية، في سنوات 1960، محط أقدام عشاق تلك الرياضة. وفي العام 1964، كاد يغمى على المتفرجين انبهاراً عندما حقق مواطنهم لويجي دي ماركو سرعة 174.75 كم/ساعة... إلى أن تمكن الياباني موريشيتا من بلوغ حاجز 180 كم/ساعة في العام 1970.

ثم توالت الأرقام القياسية بعدها، فتألق الأميركي ستيڨ ماك كني، الذي كان أول من تجاوز "الحاجز النفسي" المتمثل بسرعة 200 كم/ساعة في العام 1978. وبعد سنتين، في العام 1980، افتتحت حلبة دولية خاصة لهذه الرياضة في محطة ليزارك الفرنسية في جبال الألب أيضا. فأصبحت "المرجع" العالمي، يؤمها المتزلجون من أنحاء الأرض.

وفي العام 1992، أقيمت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة ألبيرڨيل الفرنسية. وطبعاً أجريت منافسة الـ"كي أل" في محطة ليزارك القريبة. في يوم المباراة النهائية، قام كل من خوان أنطونيو سامارانتش، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك، وجان كلود كيلي، وزير الرياضة الفرنسي وبطل التزحلق الأولمبي في الستينات، من مكانيهما للتصفيق لبطل جديد: النمساوي ميكائيل ݒروفر، الذي أنجز سرعة 227 كم/ساعة.

وبعد عقد من الزمن، في العام 2002، تجاوز الفرنسي فيليݒ غواتشل "حاجزاً نفسياً" جديداً: 250.7 كم/ساعة، فيما حققت مواطنته كارين دوبوشيه الرقم القياسي النسائي وقتها، بسرعة 242.260 كم/ساعة.

بطبيعة الحال، تتطلب رياضة الـ "كي أل" قسطاً كبيراً من اللياقة البدنية، وجرعة عميقة من الجرأة، وقدرة عالية على التركيز، لأن أي سهو أو هفوة يمكن أن يودي بالحياة. لكن بعضهم لم يكتفوا بكل تلك "الخلال"، فاستعانوا بأحدث التقنيات لتجربة سبل جديدة تمكنهم من تجاوز "نقطة اللاذهاب"، أي الحد الذي تصل فيه مقاومة الهواء إلى درجة يستحيل معها الإسراع أكثر. هكذا، لجأ السويسري فيليݒ ميه إلى التعاون مع مهندسي تقنيات الطيران في كلية الهندسة بجامعة جنيف، من أجل تحسين الأداء.

كما جربوا تكنولوجيا "حركة الأجسام في الأنفاق" في أكبر نفق تجريبي سويسري، تنفث فيه 4 مراوح بقدرة 75 كيلوواط لكل منها. ما يؤمن دفقاً من 210 أمتار مكعبة من الهواء في الثانية، بسرعة 270 كم/ساعة. وتنطوي تلك التجارب على فوائد كثيرة، منها تعويد الرياضي على سرعات لا يمكنه بلوغها على حلبة التزلج الحقيقية. فيمكنه، مثلاً، تجربة نتائج حركات معينة للرأس أو الأطراف، من دون مخاطرة. فعلى الحلبة، عند هذه السرعات الجنونية، لا تلتصق الزلاجات على الثلج، بل "تطير" إلى حد ما. لذلك قد تؤدي أي حركة غير مدروسة، مهما كانت طفيفة، إلى نتائج مأساوية.

إلى ذلك، يتيح تنظير الانسياب عن طريق المتابعة البصرية للجزيئات تحديد أفضل الأمكنة لزيادة التخلخل الهوائي الخلفي، الذي يتناسب طردياً مع شدة الاندفاع. عندها، يجرى تكييف المعدات (كالخوذة والجُنيحات) للحصول على انسيابية قصوى. والأهم، يسمح القياس الدقيق لدالات القوى التي يتعرض لها المتزحلق باختيار الوضعيات الأكثر فاعلية، استناداً على معادلات رياضية معقدة، تربط مربع السرعة والقوى الساحبة (اتجاهها مضاد للحركة) والحاملة (اتجاهها عمودي على الحركة).

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها