حمزة وعثمان خشّان، ليس المطار بالنسبة إليهما محطة سفر، بل هو مكان إقامة مضى عليها أكثر من ثلاثين يوماً. بين اللجوء من مخيم اليرموك في سوريا إلى لبنان ثم ماليزيا، والاحتجاز في مطار كوالالمبور، حكاية يرويها حمزة لـ"المدن"، بصوت تقطعه حشرجات بؤس وإعلانات عن مواعيد إقلاع طائرات ليس هما من بين ركابها.
كان مخيم اليرموك هادئاً تماماً حينما دوّى صوت انفجار رهيب قريباً من حيث يقف حمزة. الأنباء وصلت سريعاً عن قصف مسجد عبد القادر الحسيني ووقوع مذبحة. خلال ساعات كانت أسرة محمد خشان، والد حمزة، تحزم حقائبها لمغادرة شارع الثلاثين. توجهوا إلى حيث لا يعلمون في دمشق، وقصد حمزة لبنان، لاقتراب موعد استدعائه للخدمة في الجيش السوري. لقد بدا أن التاريخ يستعيد بعض ملامحه حين غادر جدّ حمزة قرية كفركنا، قرب الناصرة.
أسابيع قليلة والتحق الأب والأم وأبناؤهما الأربعة بحمزة. 7 أشهر أمضوها بين بيروت وطرابلس. لا عمل. قرروا بعد ذلك السفر إلى ماليزيا، بتشجيع من عمة حمزة هناك. بسهولة حصلوا على تأشيرة سياحية لا تخوّلهم البقاء أكثر من شهر. الحياة هناك لم تكن كما توقعوا. فهاجر الأب محمد قبل أعوام ثلاثة إلى ألمانيا. نال الإقامة. تقدّم المهندس المدني بطلب جمع شمل لبقية أفراد عائلته. تعثّر حظّه مجدداً. ورُفض الطلب، بذريعة أن بقية أفراد العائلة تقدموا بطلب هجرة من خلال الأمم المتحدة.
لم يعد أمام العائلة إلا محاولة السفر بطريقة غير شرعية. ولأن المال لا يكفي تقرر سفر حمزة أكبر الأبناء، وعثمان أصغرهم ذو الثانية عشرة من عمره، لعلّ طلب جمع الشمل من خلاله يكون أقل صعوبة هذه المرة. كانت الوجهة هذه المرة كامبوديا ومنها إلى ألمانيا. لكن، السلطات الكامبودية أعادت عثمان وحمزة إلى مطار كوالالمبور، بذريعة نقص في الأوراق. ولم تسمح السلطات الماليزية بدخول حمزة وعثمان إلى أراضيها بحجة تجاوزهما الفترة المسموحة بالإقامة سابقاً.
ذلك المشهد الجديد في حكاية حمزة وعثمان بدأ في 15 تشرين الأول. كان على عثمان، الشاب العشريني، أن يكون الأخ والأب والأم، لأخيه الأصغر حمزة. مرض الأخير خلال الأسبوع الماضي. ارتفعت حرارة جسده، وأُصيب بالإنفلونزا. لا دواء. ارتبك عثمان. اتصل بأمّه ليخبرها، رغم أنه تحاشى ذلك في البداية. قالت له: "اسقه من الماء ما استطعت". خمسة أيام متواصلة، تكاد الاتصالات من هاتف أمّه لا تنقطع. استعاد بعدها جسد حمزة الصغير حرارته الاعتيادية.
شهر كامل، تعب جسدا حمزة وعثمان من النوم على الأرض. ولم يستطعا الاستحمام سوى مرّتين، في حمام لا يتسع لأكثر من مغسلة ومرحاض. ثيابهما القليلة، يغسلها عثمان خلسة. أما الطعام فهو وجبتان يوميتان لكل منهما. لكن ألوان الوجبة هي نفسها طوال الشهر، من دون تغيير: قليل من رز مسلوق لا يتجاوز حجمه قبضة اليد الواحدة، قطعة صغيرة من الدجاج، ورقائق قليلة من الملفوف.
يختم حمزة الحكاية بالقول "كنت وأنا صغير أتمنى رؤية الطائرة. كبرت فصرت أتمنى ركوبها. اليوم، صارت رؤيتها مملة جداً".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها