الإثنين 2017/10/02

آخر تحديث: 08:17 (بيروت)

قردة جبل طارق.. "قليلة الأدب"

الإثنين 2017/10/02
قردة جبل طارق.. "قليلة الأدب"
تجول وتصول لأسباب غيبية ومخاوف خرافية (Getty)
increase حجم الخط decrease

من أطرف مؤشرات الوجود البريطاني في جبل طارق، تلك القردة المسماة "مكاك macaque". فالعساكر البريطانيون يعتنون بها بأنفسهم، ويطعمونها ويحمونها من أي مكروه. وإذ يمتنع بعض هندوس الهند عن طرد قردة تجوب مدنهم لأسباب دينية تحرّم ذلك عليهم، فإن بريطانيي جبل طارق يتركون "قردتهم" تجول وتصول لأسباب غيبية ومخاوف خرافية.

إذ تدّعي أسطورة قديمة أن الوجود البريطاني في المضيق سينتهي حال انقراض آخر قرد مكاك فيه. لذا، يعمدون إلى "تدليل" تلك الحيوانات "قليلة الأدب"، التي غالباً ما تختطف قبعة هذا الساكن أو تستحوذ على فواكه ذاك السائح الغافل. لذا، يتحتم عليهم الانتباه: فالبحر من أمامهم والقردة من ورائهم، بينما يكونون سارحين، ساهين في تأمل زرقة البحر الخلابة ومناظر منطقة الريف المغربي الرائعة في الضفة المقابلة، الممكن رؤيتها من الأعالي إذ لا تبعد سوى نحو 20 كيلومتراً.

لكن، ما سر الوجود البريطاني في هذه الرقعة الإسبانية؟ في العام 1704، انتزعت بريطانيا المضيق من إسبانيا غدراً، إذ كانت الأخيرة منهمكة بحرب انفصالية داخلية. ثم فرض الأمر الواقع بعد 9 سنوات، ضمن معاهدة "أوترخت" (نسبة إلى المدينة الهولندية التي أبرمت فيها). واليوم، بعد مضي 313 سنة على فعلة الإنكليز، ما فتأت السيادة البريطانية مفروضة على هذه النقطة الصغيرة مساحة والكبيرة استراتيجياً، لكونها تهيمن على بوابة الدخول والخروج بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.

ورغم مطالبة إسبانيا المتكررة منذ قرون باستعادة "الأرض السليبة"، لا تزال مظاهر العيش "البريتيش" سائدة: الانكليزية هي اللغة الرسمية، والباوند "الطارقي" العملة المتداولة (يساوي بالضبط الجنيه الإسترليني، لكن يختلف عنه شكلاً). وتجوب الباصات اللندنية ذات الطابقين شوارع المدينة الصغيرة. ويرى الزائر جنوداً بريطانيين وحانات يعبّون فيها الجعة بنهم، مثلما في "الوطن الأم"، وما إلى ذلك.

كان قدامى الإغريق يظنون أن جبل طارق يشكل نهاية العالم. وتروي أسطورتهم أن العامودين اللذين أمسك بهما هرقل لمنعهما من الانهيار هما جبل طارق (المرتفع 426 متراً عن سطح البحر) وجبل "أبيلا" القريب من مدينة سبتة في الريف المغربي. اليوم، هناك "هرقل" ميكانيكي، يتمثل في مقطورة تسير على كابلات لنقل الزوار الكثيرين إلى "حدائق الميداء" في أعلى الجبل. فعدد الزوار يفوق أحياناً عدد السكان، وهم نحو 30 ألف نسمة، معظمهم بريطانيو الأصل بطبيعة الحال، بعدما عكفت لندن منذ أكثر من 3 قرون على تهجير السكان الأصليين قسراً، وتشجيع البريطانيين على استيطان المكان بتقديم امتيازات مغرية، منها تسهيلات ضريبية ومصرفية "تسيل اللعاب".

ذلك ما يفسر إصرار غالبية سكان جبل طارق على البقاء في حضيرة بريطانيا، وتظاهراتهم المتعاقبة ضد المفاوضات بين لندن ومدريد في إطار مشاريع، ظلت حبراً على ورق، تهدف إلى إيجاد صيغة تتيح لإسبانيا على الأقل تقاسم السيادة على المضيق. لكن "دستور" مستعمرة جبل طارق لعام 1969 ينص على عدم إمكانية "فرض أي إجراءات جوهرية تتعلق بالمستقبل السياسي والسيادة من دون إجراء استفتاء مسبق لسكان المضيق". آه، حقاً، باتت استفتاءات "تقرير المصير" أمراً شائكاً في هذه الأيام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها