الأربعاء 2017/01/04

آخر تحديث: 01:48 (بيروت)

هل يحبّ حفار القبور مهنته؟

الأربعاء 2017/01/04
هل يحبّ حفار القبور مهنته؟
التعامل مع الميّت كأنه إنسان على قيد الحياة (Getty)
increase حجم الخط decrease
ماذا يشعر حفار القبور وهو يحفر القبر؟ هل يفكر في المال الذي سيجنيه من أهل الميت كمكرمة، فيتمنى أن يكون الميت ابن عائلة ميسورة؟ أو يفكر في مصيره الذي سيكون يوماً مصير مَن يقوم بدفنه؟


أحمد
"الميّت زبون، تعرف عنه ما يجب أن تعرفه لأداء وظيفتك. عندما أنتهي من العمل أعود إلى حياتي كأن شيئاً لم يكن، إنها وظيفة لا تحمّلها أبعاداً أكثر"، يقول أحمد (41 عاماً) الذي يعمل حفاراً للقبور في مقبرة الشهيدين في الضاحية الجنوبية منذ 12 عاماً.

"لم أختر العمل مع الموتى، لكن ظروفي أجبرتني. أوّل يوم عمل كان الأصعب. كنت أعرف أن مصير الإنسان تحت التراب ولكن المعرفة أمر والرؤية أمر آخر. في ذلك اليوم سمعت دقات قلبي وكأنها تبث عبر مكبرات الصوت. قررت أن أترك العمل، وعدم الاستمرار في هذه الطريق. لكن، بعد عشر سنوات، ما زلت هنا، أضع الميت تحت التراب وأقرأ له القرآن".


ينظر أحمد إلى المقبرة، ثم يقول "استمتع بهذه السكينة، أين يمكن أن تجدي هدوءاً في المدينة خارج هذا المكان؟ السكينة أنس وأنا أستأنس هنا وأرتاح". يرى أحمد أن من يتعامل يومياً مع الموت يقدّر الحياة أكثر، وأن دفن الموتى والاهتمام بهم يجب أن لا يكونا وظيفة بل "يجب أن يقوم بهما أهل الميت حتى يتعظون. من يدفن كل يوم يعتاد على الأمر".

رغم تكرار أحمد عبارة "الموت أصبح عادة عندي"، إلا أنه لا ينكر أن الموت يوجعه عندما يكون الميت قريباً منه. يخبر كيف نسي ماذا عليه أن يفعل، كأنه لم يدفن أحداً في حياته، عندما اختبر دفن ابن أخيه: "كأن موت القريب موت آخر، عندما دفنت إبن أخي كنت العم وليس دافن الموتى الذي اعتاد على عمله".

زينب
"أعمل مع الموتى لأن الأحياء لا يريدونني أن أعمل معهم. أنا أرملة، وكنت في السابق خياطة. اليوم يبدو أن غسل الموتى هو المهنة الوحيدة التي تقبلني"، تتحدث زينب (56 عاماً) التي تغسل النساء في مقبرة الشهيدين، بهدوء وبصوت لا يكاد يُسمع. "لا أخاف الموت، من يخاف من الميّت؟ أنا احترمه واعتني به، ليس بسبب وظيفتي، أو للقيام بعملي على أكمل وجه، بل لأنني أدعو الله أنّ أُعامل بعد موتي كما أُعامل الميتة التي بين يديّ".


وبعكس أحمد، لا يبدو أن زينب قد اعتادت على الموت. "لا يمكن أن يتحول الموت إلى عادة. كيف يمكن أن يحصل هذا الأمر؟ أنا حتى اليوم وبعد 6 سنوات من العمل في المغسل، مازلت أتأثر وأبكي، خصوصاً عندما يكون بين يديّ طفل أو رضيع. ترتبك يداي، أحزن ويضيق صدري، وأبكي".

أسأل زينب عن برودة المغسل، وعن الوجود في غرفة واحدة مع ميت، عن غسله وتعطيره وكيف تبدو الحياة بعد يوم عمل هنا؟ تجيب: "لا آخذ عملي معي إلى منزلي. عندما أخرج من هنا أقفل الباب خلفي، لا أفكر في السيدات اللواتي غسلتهن، أنسى وجوههن مباشرة بعد أن أكفنهن. ولكن هذا لا يعني أنّ الأمر لا يؤثر بي، ربما أصبحت أكثر مخافة من الله، ربما صرت أعرف أكثر كيف سينتهي بي الحال.. سيختلف كل شيء لو يعرف الإنسان كيف سينام بعد موته".


ممدوح
يضحك ممدوح (54 عاماً) عندما أسأله عن صعوبة العمل مع الأموات. يقول: "الشغل مع الأموات أسهل من العمل مع الأحياء. كنت أنسّق الأزهار للأعراس وكان العمل شاقاً. أما اليوم فأنسق الأكاليل للجنازات والوضع أفضل. فالميّت لا يحاسبك ولا يتذمّر".

يعمل ممدوح، وهو مصري أتى إلى لبنان في العام 1986، في محل يهتم بلوازم دفن الموتى في الدكوانة. يقول: "العمل مع الأموات جعل قلبي أكثر قسوة، لم أعد أشعر مع الموت مثل السابق. عندما ماتت والدتي قلت أنتم السابقون ونحن اللاحقون. الموت أصبح عادياً إلى أن يكون الميت طفلاً. شكل التابوت الصغير يؤلمني، وعندها أحزن وأرتبك كأنّني لم أر ميتاً من قبل".

يضيف ممدوح: "أتعامل مع الميّت كأنه إنسان مازال على قيد الحياة. كأنّه يراني. لقد أصبحت خبيراً ويمكن أن أعرف أن نهاية شخص ما باتت قريبة بمجرد النظر إلى وجهه". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها