الثلاثاء 2017/01/31

آخر تحديث: 01:14 (بيروت)

سميح زَعْتَر يصور العالم الخيالي

الثلاثاء 2017/01/31
سميح زَعْتَر يصور العالم الخيالي
يعيش سميح في قلب زغرتا، في حي السيّدة، الأقدم والأجمل
increase حجم الخط decrease
عندما كان سميح زَعْتَر صغيراً، كان يراقب ابن خاله يدخل منزل العائلة حاملاً الكاميرا. يضعها على الكنبة ثم يتفرّغ للأحاديث العائلية. لم يكن مسموحاً لسميح، البالغ من العمر عشر سنوات فقط، أن يحمل الكاميرا أو أن يلمسها. كان يقترب منها، ويكتفي بالجلوس بجانبها. هكذا، تعرف سميح إلى الكاميرا.


في سن 13، امتلك سمير أول كاميرا أهداه إيّاها قريبه ليل عيد الميلاد. صوّر بها آلاف الصور قبل أن يصبح التصوير مهنته عندما طلب منه أحدهم أن يساعده في تصوير عرس. بعدها، يقول سميح إن "المسبحة كرّت"، وأصبح له زبائنه ومشاريعه الخاصة. منذ ذاك الوقت وحتى اليوم، استطاع سميح أن يجعل شغفه مهنته. فالمصوّر، الذي يعمل لحسابه الخاص، ويهتمّ بمشاريع خاصة ولديه زبائنه الذين يقصدونه لحرفيّته العالية في التصوير بالأبيض والأسود بشكل خاص، لم يقترب يوماً من أي مهنة أخرى.

يعيش سميح في زغرتا، في حي السيّدة، الأقدم والأجمل. يصوّر بيئته، مكانه، يوثّق ماضي الأشخاص وماضي الأماكن التي خلّفوها وراءهم. يذكّر سميح بفكرة السفر الملتصقة بالمصوّرين منذ اختراع الكاميرا. "على المصوّر أن يسافر ويزور أماكن غريبة مثيرة للاهتمام. أن يصوّر الحياة البريّة في أفريقيا، أن يلتقط لألوان الحرير في الهند صوراً ساحرة، وأن يعود بصور من بلد فقير تظهر فيها عيون الأطفال الناعسة". يضيف: "لكن أحد المصوّرين الذين لفّوا العالم، انتبه في آخر أيّام حياته إلى أنه لم يلتقط صورة واحدة لوالده".


يكفي سميح أن يعيش حياته اليومية بشكل عاديّ جداً كي يلتقط الصور. فهو يخرج من بيته، في حي السيدة الغربي، ويلتقي بأنطوانيت سَيْسبان، يلقي عليها السلام ثم يأخذ لها صورة ويتابع سيره نحو وجهته. يتوقف عند أحد مقاهي زغرتا، يشرب فنجان قهوة، ويلتقط صوراً لرواده. ينشر الصور على صفتحه الشخصية على فايسبوك. "إذا نشرت الصور على فايسبوك فلكي تصل إلى الناس، لكي يتفاعلوا معها ويعيدوا نشرها حتى لو أنهم غالباً لا يذكرون المصدر".

السيدة الغربي
"أثناء زيارتي باريس لم أستطع التقاط صورة واحدة، إلا بعد مضي 10 أو 12 يوماً على إقامتي، التي لم تتعد أصلاً 15 يوماً. التقطّ أول صورة عندما شعرت بإلفة ما تربطني بالشارع الذي أعبره كل يوم، وبالعناصر التي من حولي"، يقول سميح. "لا أستطيع التقاط صور أشخاص وأماكن لا أعرفهم ولا تربطني بهم علاقة"، يضيف المصور الذي يوثّق بشكل يومي حي السيدة الغربي.

في الحيّ الذي ولد فيه، وكبر، يلتقط سميح في بعض الأحيان صوراً لأشخاص لا يعرفهم. "لكن هؤلاء لا يبدو عليهم أنهم دخلاء على المشهد، بل على العكس، يلتصقون به كما تلتصق الذكريات بجدران السيدة الغربي". لجدران السيدة الغربي، سطوحها، سماءها وغيمها حصة من أعمال سميح. "ولعي بالأماكن نابع من ولعي الأصلي بالإنسان. فالمكان هو أيضاً حيث ترك الإنسان أثراً، حتى في أثناء غيابه عنه". يعتبر المصوّر أن المشاهد التي يلتقطها هي مدخل للعبور إلى البعد الخياليّ. فصوره، رغم أنها تحكي حكاية الحي وتوثّقها، إلا أنها توحي أيضاً بحكاية أخرى.


يلتقط سميح صوراً تظهر فيها العلاقة بين الناس في حيّ لا يمكن لساكنه أن يقول يوماً: "أسكن في هذا المكان منذ عشرين عاماً ومازلت لا أعرف عن جاري سوى اسمه"، كما تجري العادة في المدن، أو في سكّان البنايات في مفهومها الحديث. ولا يفتعل الصور. "أمرّ في الحي، وتمرّ جارتي، وفي هذه اللحظة التي تجمعنا، أضغط الزر وأمضي".

مقاهي زغرتا
من حيّ السيدة الغربي إلى أحد مقاهي زغرتا، ينتقل سميح من بيئة يعرفها إلى أخرى. من جهة يشرب قهوته الصباحية، التي تمتد أحياناً إلى فترة ما قبل الظهر، ويطمئن إلى الوجوه المعتادة نفسها من جهة أخرى. المقهى، الذي يرتاده "لعّيبة الورق" وكبار السن، وفق سميح. مجتمع للرجال فحسب. يجلسون على كراسي القش القديمة، أمام طاولة من الخشب يعلوها شرشف أخضر. "أرتاد هذا المقهى، الذي ورثته امرأة عن زوجها ويديره شاب مصري، ومقاهي تشبهه، لأنها تخرج عن المألوف، فيها أخبار غريبة وعجيبة، فيها جنون وإلفة، وشخصيات مسرحية وسينماتوغرافيّة تصلح للتصوير".


هذه الشخصيات لا يجدها سميح في المقاهي العادية. "في هذا المقهى، يرمي مرتادوه همومهم وانشغالاتهم الشخصية عند الباب قبل أن يدخلوا. لا أحد يتحدّث عن نفسه، الكل آت لينسى أصلاً. يروون قصصاً وحكايات، بصوت مرتفع وبمشاركة الجميع. وعلى طاولة لعب الورق، الكل ينفصل عن الواقع الذي غالباً ما يكون أليماً".

الجبل والجرد
يصوّر سميح جبال إهدن وجرودها وجبل المكمل. بهذه الطريقة، يوثّق تعلّقه بهذه المساحة المعرّضة اليوم للخراب على يد أصحاب فكرة مشروع سياحي في منطقة القرنة السوداء. "لا أفرق بين صور الجبال وصور حي السيدة أو المقاهي التي ألتقطها، ففي الحالتين أصور علاقة الإنسان مع الآخر، أفقياً وعمودياً"، يقول سميح. الساحل هو المجال الأفقي، بحسب سميح، والجبل هو المجال العمودي. والتقاطع بين هذين المجالين هو الإنسان نفسه.


في صور سميح، يبدو الغيم الذي يعلو الجبال كالنساء التي تمر في زقاق من أزقة حي السيدة، أو كرجل أمام طاولة في مقهى تقليدي في زغرتا. النساء والرجال يعبرون كما تعبر الغيوم. كلّ ما يفعله سميح، من خلال نظرته وبواسطة آلته، أنّه يعطي لعبورهم هذا معنى أبعد من الزمان ومساحة أكبر من المكان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها