الخميس 2017/01/19

آخر تحديث: 10:34 (بيروت)

البحث عن فرويد في سجائر Lucky Strike والموز

الخميس 2017/01/19
البحث عن فرويد في سجائر Lucky Strike والموز
أسس بارنايز مفهوم "هندسة القبول"
increase حجم الخط decrease
الدعاية الجيدة هي تلك التي تبيع فكرة وليس منتجاً، وتذهب في تسويقها إلى أبعد من موضوع الدعاية، لتروج أسلوب حياة. لعل هذه أهم قواعد قطاع الإعلان والتسويق، الذي شهد تحولات عدة على مدى قرن من الزمن، بلورته وطوّرته من حالته البدائية المباشرة، إلى شكله الحالي، مانحةً إياه نفوذاً وسلطة، وقدرة على التحكم بما هو أبعد من حياة الناس الإستهلاكية.

في عشرينات القرن الماضي وبفعل دخول الولايات المتحدة الحرب، شهد قطاع الصناعة في البلاد ازدهاراً كبيراً. لكن المعضلة كانت في إيجاد سوق لفائض الإنتاج الصناعي، خصوصاً أن قطاع الإعلانات في ذلك الوقت، لم يكن قادراً بعد على التماشي مع متطلبات الإنتاج الجديدة. ظهر يومها شاب أميركي لم يتجاوز السابعة والعشرين، وأحدث انقلاباً في عالم الإعلان والتسويق، من خلال نظرياته في عالم سيكولوجيا المستهلك، التي أصبحت إحدى ركائز هذا العالم اليوم.

كان الشاب النمساوي- الأميركي إدوارد بيرنايز لايزال في بداية مسيرته المهنية في حقل العلاقات العامة والبروباغندا، عندما تلقى رسالة من خاله، وهو عالم أوروبي، يطلب فيها إقراضه بعض المال. إستجاب بيرنايز لطلب خاله، بل وأرسل له مع السلفة علبة سيكار. لم يكن هذا العالِم سوى سيغموند فرويد، مؤسس علم التحليل النفسي، الذي عاد وأرسل إلى ابن اخته كعربون شكر، نسخة من كتابه غير المنشور بعد: "مقدمة عامة في التحليل النفسي". 


لم يكن فرويد يعرف حينها أن هذه الهدية ستشكل مصدر إلهام للشاب، وستمهد لدخول نظرياته في علم النفس، إلى صلب القطاع الدعائي أو ما سيطلق عليه بيرنايز لاحقاً "هندسة القبول". فسر بيرنايز مفهومه بالقول: "إذا استطعنا فهم آليات عمل العقل الجماعي ودوافعه، ألا يصبح من الممكن التحكم بالرأي العام، وإخضاعه إلى مشيئتنا من دون علمه؟ الممارسة الحديثة للبروباغندا أثبتت أن هذا ممكن، وأقله إلى حد ما".

في رصيد بارنايز، عدد كبير من الإنجازات في الحقل الدعائي، منها المتواضع كإقناع الأميركيين أن اللحم المقدد والبيض هما مكونا الفطور الأميركي الأصيل، وصولاً إلى البروباغندا السياسية المتطرفة التي ساهمت في إسقاط حكومة غواتيمالا. وهنا بعض من إنجازاته:


مشاعل الحرية


في العام 1920، صمم بارنايز حملة دعائية، لايزال تأثيرها واضحاً حتى اليوم. قبل هذا التاريخ، كان التدخين في الأماكن العامة أمراً محرماً بالنسبة إلى النساء في الولايات المتحدة. لم يكن هذا العرف الاجتماعي يلائم شركة التبغ الأميركية التي كان بارنايز يعمل لمصلحتها، فسعى إلى تحويل التدخين إلى قضية اجتماعية وإنسانية، مفبركاً حركة احتجاجية نسائية ضدّ التقاليد البالية.

في الأوّل من نيسان 1920، نظّم بارنايز مسيرة شاركت فيها عارضات أزياء (وتشير بعض المصادر إلى مشاركة بعض الشخصيات النسوية التي كانت بارزة في تلك الفترة)، من أجل إشعال "مشاعل الحرية". وحين أعطى بارنايز الإشارة، أشعلت النساء سجائر Lucky Strike، على مرأى من كاميرات الصحافيين المتحمسين. وقد عنونت صحيفة New York Times مقالها عن الحدث بـ"مجموعة من الفتيات تنفخ السجائر كتعبيرٍ عن الحرية". وفي النتيجة، نجحت شركات التبغ في مضاعفة أرباحها.

 

كوب على شكل مهبل


يبدو تأثير نظريات فرويد أكثر وضوحاً في الإستراتيجية التي اتبعها برنايز أثناء التسويق لأكواب Dixie Cup البلاستيكية، بحيث عمد إلى إقناع المستهلك بأن الأكواب المعدة للاستخدام لمرة واحدة، هي وحدها الصحية والنظيفة. استطاع بارنايز عبر ربط صورة كوبٍ طافحٍ بالماء مع إحالات مرتبطة بالأعضاء والأمراض التناسلية (لاسيّما المهبلية)، أن يثير خوف المستهلك. ما قاده إلى تحقيق الغاية الأساسية، أي ضمان تجنب المستهلك البضائع المنافسة.

الموز: طعام سياسي


إنتقل بارنايز بعدها إلى اللعب بأدوات الحرب النفسية، التي تجلّت في عمله لمصلحة United Fruit، الشركة المحتكرة لسوق الموز في غواتيمالا، التي كانت أكبر مالك للأراضي في البلاد في أوائل خمسينات القرن الماضي. في البداية، صوّر بارنايز تناول الموز كممارسة وطنية، ودواءً لمشاكل الهضم. لكن ذلك لم يعد كافياً مع إستلام الرئيس غوزمان الحكم في غواتيمالا وقيامه بمصادرة أملاك الشركة الهائلة في العام 1951. عندها، ساهم بارنايز في تأسيس شبكة من العملاء والمخبرين في أميركا الوسطى بهدف معارضة النظام. واستطاع أن يروج لشائعات في صحف أميركية شديدة التأثير على الرأي العام، محاولاً تشويه سمعة الرئيس الغواتيمالي عبر وصمه بالشيوعية، ممهّداً الطريق إلى الإنقلاب العسكري المدبّر من قبل CIA.

ومن أبرز مقولات بارنايز في هذا الصدد: "التلاعب الواعي والذكي بعادات وآراء الناس، هو من أهم عناصر المجتمع الديمقراطي. فأولئك الذين يتلاعبون بهذه العملية الخفية، يشكلون حكومة خفية تجسد الحكم الحقيقي للبلاد".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها