بل يزهو السكرتير فخراً بكون زوجته رئيسة الجمعية، وهي أشبه بـ"مجلس بلدي" ينظم شؤون الرعية من خلال اجتماعات دورية. تارة يطلبن الحصول على تمويل لشراء قارب جديد مزود بمحرك، لتسويق الحصير المنتج في القرية وتسهيل بيع غلالها ومقايضتها بأغذية ومواد ضرورية. وتارة يقررن وضع سياج معدني مشبك حول البساتين لحمايتها من الحيوانات البرية والسرقة، أو يصدرن توصيات بتجهيز المزارعات والمزارعين بجزم مطاطية لتفادي لدغات الثعابين وخدش الأشواك، أو يطالبن السلطات الصحية المركزية بتزويد القرية بجرعات اللقاح المضاد للملاريا، وما إلى ذلك.
في جزر بيجاغوس، وعاصمتها بولاما، تضطلع ربة البيت بالمهمات الداخلية والخارجية معاً، وتشكل السلطة المحلية والمركزية في آن. فهي التي تحدد موعد حراثة الأرض وبذرها، ووقت الحصاد والقطف، وكيفية تسويق المحاصيل. وهي التي توعز للزوج والأبناء بإنجاز هذا العمل أو ذاك. للإيضاح، يكفي تخيل أسرة تقليدية ريفية عربية في قرية ما، ثم قلب الأدوار، أي تخيل الأم مكان الأب، والعكس بالعكس، للحصول على صورة تقريبية للتسلسل الهرمي الأسري في قرية من الأرخبيل، الذي يبلغ عدد سكانه الوثنيين نحو 35 ألفاً. ويحيا هؤلاء حياة كفاف عسيرة من أجل البقاء، قاطنين في أكواخ من الِّلبن الأحمر (الطين المخفور)، مغطاة بسقوف من التبن والحشفة، تفتقر طبعاً إلى الماء الجاري والكهرباء.
وإذا كانت أريافنا لا تخلو من أخوة وأخوات غير أشقاء، من أب واحد وأمهات عدة، فالعكس يحصل في بيجاغوس. إذ لا يندر أن نجد عوائل مؤلفة من أطفال عديدين من الأم نفسها، إنما من أبوين مختلفين أو أحياناً أكثر، بما أن من "صلاحيات" الزوجة تطليق زوجها والاقتران بآخر. وعلى الغرار نفسه، مثلما يتخذ بعض المتزوجين في مجتمعات غربية عشيقات، يحصل أن تتخذ بعض نساء بيجاغوس عشاقاً سريين، بينما ينهمك الأزواج، وهم "في عهدتهن"، في أعمال الحقول المضنية. ومثلما تشكو الكنة في مجتمعات أخرى من فظاظة الحماة، في بيجاغوس لا يندر أن يتذمر الصهر، أو لنقل الـ"كَن"، من قسوة حماته. وربما يظل الأمر الوحيد الذي لا تطلبه الزوجة أو أمها منه، هو أن يحمل وينجب بدلاً عنها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها