المرحاض المتطور
إذاً، ستنعم البلدية على سكان المدينة بحمامات ذات خصوصية محددة. وبعدما اعتاد المواطنون على التبول في الشارع، إمّا على حائط مبنى أو تحت جذع شجرة أو ربما خلف الأبنية كي لا يراهم أحد، ستتاح لهم الفرصة لقضاء حاجتهم في حال "الحشرة"، داخل حمامات أوتوماتيكية.
والمميز في هذه الحمامات أنها ليست عادية، وهذا معنى أوتوماتيكيتها. فهي لا تطلب من مستعمليها أيّ مجهود للضغط على "السيفون"، ولا حتى فتح الحنفية لغسل اليدين بعد قضاء الحاجة، لأنها حمامات تقوم بمهمة "تنظف نفسها بنفسها".
ورغم إنقطاع المياه والكهرباء عن منازل المواطنين، ثمة اتجاه نحو استحداث تكنولوجيّ في الحمامات العمومية. ولكن، أين سيبنى هذا الإنجاز "الأوتوماتيكي"؟
"هناك مناطق محددة لبناء الحمامات الأوتوماتيكية"، يقول عيتاني في إتصال مع "المدن". وعن الأماكن التي ستحظى بوجود هذه الحمامات، يجيب أنها ستكون "في المناطق التي بنيت فيها الحمامات العمومية سابقاً". وربما رئيس البلدية نفسه لا يعلم مكان الحمامات. طبيعي. فهو لم يستعملها ولا يعرف أين وجدت من قبل.
الحاجة ملحة
في بيروت، يوجد حالياً حمام عمومي واحد، مقابل الجامعة الأميركية على الكورنيش البحري في منطقة المنارة. يجلس الحارس على مدخله لتنظيفه طوال اليوم. لا يعلم عن مشروع البلدية لتحويل الحمام من "عادي" إلى أوتوماتيكي، لأن هدفه الوحيد، هو إتمام ساعات العمل مقابل الحصول على راتبه الشهري.
ليس الحمام مهجوراً. فله رواده، الذين يقصدونه رغم الرائحة الكريهة التي تفوح منه. أبو أحمد واحدٌ من هؤلاء. يأتي يومياً إليه، أثناء ممارسته رياضة الركض على الكورنيش، واضطراره إلى التبول كثيراً بسبب مشاكل صحية يعاني منها. وكذلك، تستعمله سيدة مسنة، تمشي كل صباح على الخط البحري. وتقول: "لا يوجد سوى هذه العلبة لقضاء الحاجة سريعاً، مع وجود شطافة إلى جانب كرسي الحمام، كضرورة أساسية قبل الخروج منه".
ثلاثة حمامات عمومية
وفي محاولة للبحث عن أماكن وجود الحمامات العمومية، قبل العام 1975، أي قبل بدء الحرب الأهلية في لبنان، نصل إلى ساحة البرج في وسط بيروت، المعروفة حالياً بساحة الشهداء.
في تلك الحقبة، تميزت الساحة بعجقة الباعة والمتجولين ورواد المقاهي والمسارح ودور السينما. وكان الحمام العمومي حاجة أساسية تتوسط الساحة، أيّ في مكان النصب التذكاري للشهداء. وكان يلجأ إليه "المزنوقون". حسين حانوش واحد منهم. ينزل السلالم ليصل إلى الحمام، الموجود تحت الأرض متخذاً شكل قنطرة.
أما الدخول إليه فلم يكن مجانياً. فلكل نوع استخدام سعر محدد، وفق ما يذكر حانوش، عندما كان يبلغ الخامسة عشرة من عمره. فعند كل "تبويلة" يدفع قرشين ونصف، "وإذا أردت استخدام كرسي الحمام لقضاء الحاجة الكبيرة، كان يتوجب عليّ مضاعفة المبلغ، أي أن أدفع خمسة قروش".
وكان في منطقة باب إدريس، شارع حاوز الساعتية، حمام عمومي يتبع الشروط نفسها من جهة أسعار الدخول. وحمام ثالث في محلة الكوشية، أي منطقة العدلية قديماً.
هذه الحمامات العمومية، المفقودة اليوم، تحظى باهتمام بلدية بيروت. فهل سيُعاد فلا بناؤها من ليتمتّع البيروتيون بالحمامات الأوتوماتيكية؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها