الإثنين 2016/08/29

آخر تحديث: 07:45 (بيروت)

لا مكان للمرضى النفسيين في السجون

الإثنين 2016/08/29
لا مكان للمرضى النفسيين في السجون
أدى مسرحية جوهر في مهب الريح سجناء من سجن رومية ومنهم مرضى نفسيون (Getty)
increase حجم الخط decrease
في لبنان، يحوي سجن واحد من أصل واحد وعشرين سجناً، على مكان مخصص لحجز السجناء من ذوي الأمراض العقلية والنفسية وإعادة تأهيلهم؛ أي أن مئات المرضى مقابل مصح نفسي واحد. ما يعني جمع المرضى مع الأصحاء في السجون، لتكون النتيجة ليس سوء حال المرضى النفسيين بعد دخولهم السجن فحسب، إنما تسجيل إصابات جديدة بين السجناء الأصحاء أيضاً.

حال المآوي الاحترازية في لبنان كانت موضوع دراسة أعدها المركز اللبناني للعلاج بالدراما "كثارسيس"، الذي ينشط منذ سنوات في قضية السجون، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وأستتبعت بايداع اقتراحين اثنين لدى المجلس النيابي، لتعديل بعض مواد قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون تنفيذ العقوبات. يُعنى أولهما بشؤون المرضى النفسيين والعقليين. أمّا ثانيهما فيُعنى باجراءات طلبات اخلاء سبيل المحكومين بالمؤبد.

تشرح المديرة التنفيذية للمركز زينة دكاش أن السبب الأول الذي دفع الجمعية إلى تقديم الاقتراح المتعلق بالمرضى النفسيين والعقليين يرجع إلى استخدام القوانين في نسخها الحالية لمصطلحات لم تعد تتماشى مع التطوّر الذي طرأ على علم النفس والطب النفسي. "إذ لم يعد مقبولاً استخدام مصطلحات مثل مجنون، ممسوس، معتوه.. لتوصيف حالة الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية وعقلية". والقانون اللبناني، الصادر في العام 1943، يربط "مسألة اتمام المحكومية واخلاء السبيل بالشفاء التام للمريض من المرض. وهذا أمر مستحيل حصوله لدى معظم الحالات".

هكذا، جاء الاقتراح لمواكبة "التطوّر المفاهيمي" في علم النفس من جهة، ولتعديل اشتراط الشفاء التام واستبداله باستقرار الحالة النفسية بناءً على توصية طبيب مختصّ من جهة أخرى. ويراعي التعديل المقترح القوانين والاتفاقات والمواثيق الدولية والاقليمية، ولاسيّما أنّ لبنان جزء منها. وتقول دكاش إن الدراسة استخلصت مجموعة من الملاحظات في شأن الظروف النفسية والصحية التي يعيشها السجناء، ولاسيما المرضى منهم. فبينما يوجد مأوى احترازي واحد للرجال في سجن واحد، هو سجن رومية، تغيب المآوي الاحترازية من سجون النساء.

وفي الاقتراح الثاني، المتعلق بالمحكومين بالمؤبّد، عُدلت مجموعة من مواد قانون العقوبات وقانون تنفيذ العقوبات الصادر في العام 2002 والمعدل في العام 2011، بهدف معالجة إشكالية طلبات اخلاء السبيل. وتنطلق الحاجة إلى التعديل من مسألتين أساسيتين تطال كلتيهما مبدأ العدالة في جوهره. المسألة الأولى هي الغبن اللاحق بمرتكبي جرائم القتل القصدي، حيث عوقب كل مرتكب هذا الجرم بعقوبة الإعدام بين عامي 1994 و2001، في حين عوقب ويعاقب مرتكب الجرم نفسه خارج هذه الفترة بالسجن لمدة تراوح بين 15 و20 سنة سجنية.

أمّا المسألة الثانية، فتتعلّق بربط اخلاء السبيل بالمبلغ الواجب دفعه إلى أهل الضحية، والذي يصل إلى 500 مليون ليرة لبنانية. وهنا جاء التعديل ليفصل الحق الشخصي بالتعويض على أهل الضحية عن الحق المقرون بفعل القتل. وبالتالي، يبقى على المحكومين دفع التعويض المتوجب عليهم، لكن من دون ربط ذلك ببقائهم خلف القضبان، خصوصاً في ظلّ أحوال السجون السيئة، التي تتنافى مع أبسط الشروط المنصوص عليها دولياً لحماية السجناء، والتي يتبناها لبنان للمفارقة، عبر توقيعه ومصادقته على جميع المواثيق التي ترعاها.

تجدر الاشارة إلى أن الاقتراح المقدم يضاف إلى سلسلة من الاقتراحات والمشاريع المقدمة سابقاً، وأبرزها في هذا الإطار مشروع تعديل المرسوم الاشتراعي رقم 72 الصادر في العام 1983، والمتعلق بـ"رعاية المرضى العقليين ومعالجتهم وحمايتهم"، المقدم من وزارة الصحة بالتعاون مع معهد إدراك وبتنقيح من المفكرة القانونية. غير أن الاقتراح لايزال في أدراج مجلس النواب. فهل سيلقى مشروع كثارسيس المصير نفسه، أم يفرج عن القانونين فيلقى المرضى النفسيين حماية متكاملة داخل المآوي وخارجها؟

ورش ومسرحية

يرتكز الاقتراحان المقدمان إلى تحليل معمق أجراه القاضي حمزة شرف الدين، للنصوص القانونية والأحكام القضائية المتصلة بموضوعي الاقتراح. واستتبع التحليل دراسات أجريت على مجموعة من النصوص القانونية لعدد من الدول العربية والأوروبية. ثم لجأت كثارسيس إلى تنفيذ مجموعة من النشاطات العملانية، مثل ورش العمل التي نظمها المركز خلال السنتين الماضيتين مع قضاة وبرلمانيين ومسؤولين في عدد من الوزارات المعنية وأطباء نفسيين، بالإضافة إلى عرض مسرحيّة "جوهر في مهب الريح"، التي أداها سجناء رومية منهم مرضى نفسيون، في شهر أيار الماضي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها