الأحد 2016/08/28

آخر تحديث: 02:46 (بيروت)

إعتقالات بالجملة وتعذيب.. ثم البراءة

الأحد 2016/08/28
إعتقالات بالجملة وتعذيب.. ثم البراءة
الوضع في طرابلس ليس على ما يُرام (Getty)
increase حجم الخط decrease

ثمّة ما يؤشر إلى أنّ الوضع في طرابلس ليس على ما يُرام. فمع تكثيف الحواجز الأمنية ليلاً، واستئناف مسلسل إلقاء القنابل اليدوية في الشوارع، والضجة التي أثارتها حركة "حماة الديار" قبل رفع الغطاء عنها واقفال مكاتبها، تشهد المدينة حركة اعتقالاتٍ يومية من الأجهزة الأمنية، لشبابٍ متهمين بالتطرف.

غير أنّ المشكلة، ليست في ملاحقة الشباب "المشبوهين"، بقدر ما هي في طريقة التعاطي معهم، والتعنيف الذي يتعرضون له خلال مجريات التحقيق، مثلما حصل في نهاية الأسبوع الماضي، مع شابين يرتادان الجامع، "عاشا ثلاثة أيامٍ سوداوية في قبضة أحد الأجهزة"، وفق مُقرب لهما لـ"المدن"، مشيراً إلى قسوة المعاناة التي عاشاها، والضرب الذي تلقياه معاً بعصا كهربائية طويلة على رأسهما وجسديهما، ناهيك بالشتائم والأذى المعنوي، إلى أن فُكًّ أسرهما بعدما ثبُتت براءتهما.

هذه الممارسات التي تنافي مبدأ أن "المتهم بريء حتّى تثبت إدانته"، بعد شيوع الأحاديث عن انتهاكات الأجهزة الأمنية بحقّ المساجين وكذلك الأبرياء منهم، تطرح أسئلة عدّة. فهل بات الإجهار بالطقوس الدينية هو المعيار الذي تُقاس عليه تُهمة الإرهاب؟ وهل من المسموح استخدام الأساليب العنفية مع متهم مازال ضمن دائرة "المشتبه به"؟ ومن يُعوّض للموقوفين المعنفين بعد إثبات براءتهم؟

الأمن يستنكر
يقول مصدر أمني لـ"المدن" إنّ ما يُشاع عن تعذيب الموقوفين "مبالغ فيه إعلامياً، ولاسيما أن الأجهزة الأمنية تميّز بين الموقوفين على ذمّة التحقيق، وبين من ثبُتَ عليهم الجرم، وأنّ التحقيقات الأولية تجري وفق القوانين المرعية".

أمّا ما يحصل من اعتداءات على الموقوفين، فيضعه المصدر في خانة "الارتكابات الفردية"، التي لا تندرج في سياق قرارٍ رسميٍ صدر عن قيادة الأجهزة الأمنية، لأنّ "التعنيف قانوناً غير مسموحٍ به"، وفقه.

وعن سبب ارتفاع نسبة اعتقال الشباب في طرابلس، يعتبر المصدر نفسه أن "المناخ العام يفرض ذلك مع تصاعد مخاطر المنظمات الأصولية التي تهدد أمن البلد. فالتحقيقات تجري بشكل طبيعي. وملاحقة الشباب لا تنطلق من عبث، لأنها تستند إلى مراقبة نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتشكيك في احتمال تورطهم مع مسلحين في سوريا والعراق، فتتم إحالتهم بعد التحقيق معهم إلى المحكمة العسكرية، من أجل التثبت من وضعهم".

غضب واعتراض
الوضع على الأرض مختلف تماماً. وإذا كانت التوقيفات في طرابلس تعود إلى سببين أساسيين هما، التورط في معارك جبل محسن وباب التبانة، أو الارتباط بالفصائل الإسلامية التي تقاتل في سوريا، يعتبر عضو هيئة علماء المسلمين الشيخ نبيل رحيم في حديث إلى "المدن"، أن الفترة التي أمضاها في السجن واستمرت 3 سنوات على إثر أحداث نهر البارد، "شهدت فيها حالات تعذيب تذكرني بممارسات الردع السوري عندما كان في لبنان".

ويتحدث رحيم عن 3 شبان موقوفين يعرفهم، ويقول: "أمضى هؤلاء 7 سنوات في السجن، وتعرضوا إلى كثير من الضرب وسوء المعاملة قبل إصدار أحكامٍ بحقّهم، ومن دون أن يكترث أحد بتردي أوضاعهم الصحية، ولما بدأت محاكمتهم متأخرة جداً، تبيّن أنّهم أبرياء". يضيف: "هذا انتهاكٌ صارخ. لأنّ الموقوفين يخرجون بنقمة على ظروف اعتقالهم التي لم تراعِ كرامتهم وإنسانيتهم، ولأن الفترة التي أمضوها في السجن لا توازي قانوناً العقوبة التي اتهموا بها، فكيف إذا ثبُتَ أنّهم أبرياء؟".

محامي الموقوفين
يؤكد محامي الموقوفين الإسلاميين محمد صبلوح لـ"المدن"، أنّ الإفادات التي يُدلي بها الموقوفون أمام قاضي التحقيق، "تظهر ضراوة التعذيب الذي تعرضوا له، وكلها محاضر موجودة. وعندما نطلب من النيابة العامة تعيين طبيب شرعي للكشف عن حالة الموقوف، لا تتجاوب معنا، فتطلب من المحكمة العكسرية تعيين طبيب السجن، وشهادته لا يُؤخذ بها، لأنّه موظف وليس حُرّاً".

وفي الوقت الذي لا تنص فيه القوانين اللبنانية على مبدأ "التعويض" للسجين المعنّف الذي تُثبت براءته، يقول صبلوح: "لدينا مناشدات وتحركات واسعة في قضية تعنيف الموقوفين، وعندما لا نصل إلى نتيجة مع القضاء اللبناني، نرفع محضراً رسمياً إلى الأمم المتحدة، يظهر انتهاك لبنان لشرعة حقوق الإنسان. ففي قضية فتح الإسلام مثلاً، اكتشف القضاء بعد 7 سنوات أن 30 موقوفاً من بين 500، لا علاقة لهم بالقضية، وهذا تجاوز كبير. ونحن لسنا ضد الملاحقة القانونية للمشتبه بهم، وإنما نستنكر السلوكيات الممارسة بحقهم، قبل إدانتهم قضائياً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها