2
بعدما كانت ناديا، ابنة الجنوب، تقصد الجية مرّتين أسبوعياً في الصيف تقريباً، صار باستطاعتها الحصول على لون أسمر برونزيّ قرب مكان سكنها. فالمسابح المخصصة للنساء لم تعد حكراً على الساحل البيروتي والقريب من العاصمة، بل أصبح لهنَ أكثر من عشرة مسابح "شرعيّة" مقفلة بعيدة من الشاطئ. ناهيك بيومٍ أسبوعي واحد مخصّص للسيدات في المسابح المختلطة.
ارتياد ناديا المسبح النسائي يبدو سببه واضحاً، أي الحجاب. تقول إنها تقصده منذ خمس عشرة سنة، أي منذ بداية انتشار ظاهرة "التكتل النسائي" في حيّز جغرافيّ محدد على الشاطئ. وتشرح صديقتها نور مدى الراحة والخصوصية اللتين تتمتع بهما في هذا المكان، الذي لا تسمع فيه عبارة "البقلاوة صار عندا إجرين" وغيرها. تضيف أنّ ما يزعجها هو منعها من إلتقاط الصّور. الكاميرات هنا محظورة، وصوت العاملة يصدح كلّ بضع دقائق مذكّراً الزّبونات بعدم التصوير، وإلا سيصادر الجهاز المستعمل.
"عن أيّا راحة عم تحكي؟"، تقاطعها ناديا واصفةً عيون النساء بالكاميرات التي تصوّر وتسجّل كل تفصيلٍ عند أي وافدةٍ جديدة إلى المسبح. فالنساء، وفق ناديا، يتنافسن هنا على البشرة الأكثر اسمراراً. "أتعجّب كيف باستطاعتهنّ وضع هذا الكمّ من الماكياج في يومٍ كامل على الشاطئ". وتعتبر أن مسابح النساء في الجنوب أكثر تحفظاً منها على الشاطئ الساحلي، فـ"المكان هناك بعيد من الأبنية، وأسواره عالية والرقابة شديدة، خوفاً من أي مظهر غير لائق من السيدات. وغرف تبديل الملابس والحمامات مراقبة، تحسّباً لظهور شائعات المثلية الجنسيّة. حتى الموسيقى ممنوعة. كأنه سجن"، تردّ الأخرى.
3
في زاوية أخرى تجلس رانيا مع عدّتها. ترسم بالحنّة للزبائن الراغبات بزيادة أجسادهن إثارة. قلوبٌ على الصدور، الحرف الأول من اسم الحبيب، زخرفات في أسفل الظهر وغيرها مما يزيد المنافسة بين الصّبايا.
سامر، وهو أسم محاط بقلب على الكتف اليسرى لسلمى. وقد أجبرتها غيرته على ارتياد مسبح نسائي، رغم أنها تفضّل المسابح المختلطة، وتزعجها الراحة الزائدة التي تتعاطى بها النساء مع أجسادهن في هذا المكان. تتذكر كيف خلعت إحداهن حمالة الصدر لتحصل على لون أسمر موحّد. تقول: "قاعدة كل ممنوع مرغوب تطبّق هنا". وتسأل، بجدّية، عن سبب عدم وجود مسابح مخصصة للرجال.
4
في يومي السبت والأحد ترتفع أسعار الدخول إلى المسبح إلى ثلاثين ألف ليرة، نظراً لتهافت النساء عليه من المناطق كلها. والهدف واحد: بشرة سمراء. توضح حنان أنها تفضّل المسابح النسائيّة في الفترات الأولى من فصل الصّيف، ذلك أن بشرتها البيضاء تُشعرها بالخجل أمام أصدقائها. على عكس اختها التي تقصد الفسحة النسائية طيلة الفصل باعتبارها أكثر حشمة لجسدها البدين، حسبما تراه.
5
النّساء هنا مقسّمات في مجموعات. ربّات المنازل غير الرّاغبات في السباحة يرتشفن القهوة حول بركة الأطفال. عاملات المنازل، الممنوعات من السباحة، يجلسن بكل ما عليهن من ثياب يراقبن الأطفال ويتحمّلن أصواتهن العالية.
في الجهة الثانية فتيات ملطّخات بالزّيت يدخنّ النرجيلة ويتبادلن الأراء في أحاديث متعددة. وكلّما اقتربنا من الشاطئ تقلّ "شرعيّة" المكان، إذ نقترب من المسابح المختلطة المجاورة ويدخل العنصر الذكوري في الصّورة. العنصر الذي يشكّل المادّة الدّسمة لفتيات الشاطئ.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها