الإثنين 2016/05/30

آخر تحديث: 21:00 (بيروت)

إمتحانات البريفيه.. حين قرّرت أن أغشّ

الإثنين 2016/05/30
إمتحانات البريفيه.. حين قرّرت أن أغشّ
أجواء الإمتحانات نفسها تفرض علينا أن نسلك طرقاً ملتوية للنجاح (أرشيف: محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease

كنا ننتظر تسريب بعض أسئلة الإمتحانات كما ننتظر الآن تسريب حلقات مسلسل Game of Thrones، حتى أن بعض إدارات المدارس كانت ترسل تلك التسريبات إلى تلاميذها. ليس هذا سيناريو فيلم The Perfect Score الذي يشرع فيه بعض التلاميذ بسرقة أسئلة إمتحانات SAT، إنما قصة حقيقة ضمن يوميات طالب بريفيه أو ترمينال في الدولة اللبنانية.

تمثل إمتحانات شهادة البريفيه الرسمية الخروج الأول من قوقعة الصف الآمن، والإختبار الأوّل لفساد الدولة. بغض النظر عما إذا كانت الأسئلة تُسرَّب فعلاً، أو إذا كان ما يصل إلينا هو تسريبات حقيقية أو مجرد خيال بهدف التسلية أو الخداع. فإن مجرّد إحتمال الحصول على وثائق "سرية" رسمية، ومجرّد إيمان طالب في عمر الـ15 بإمكانية الوصول إلى أسئلة إمتحاناته من طريق الفساد، وسعيه إلى ذلك، كفيل بتهيئته ليصبح مواطناً فاسداً.

كنت شخصياً تلميذة مجتهدة، أؤمن بالمجهود الفردي وأعتمد على نفسي في حلّ أسئلة الإمتحانات، ليس لإمتلاكي مبادئ صارمة ضدّ "الغش" أو "التنقيل"، ولكن ببساطة لأنني كنت أؤمن بنفسي أكثر من إيماني بـ"شطارة" الآخرين. ولأنني صراحة لم أكن أملك المهارات المطلوبة في الغش. لكن قبيل توجهي لإجراء إمتحانات البريفيه، في العام 2009، حرصت على تزويد نفسي بكل ما قد أحتاج إليه أو لا أحتاج إليه من "روشتات". فهذا ما كان يفعله الجميع، وما دام الجميع سينجح بفعل الغشّ، فسيكون من الغباء ألا أنتهج النهج نفسه.

في تلك السنة، عزمت على إستخدام الغشّ لكي لا أكون الفتاة الوحيدة التي لم تغشّ، فيتقدّم عليها الآخرون. كما أن أجواء الإمتحانات نفسها تفرض علينا أن نسلك طرقاً ملتوية للنجاح وتحصيل الدرجات العالية، وقد شجع الأساتذة المراقبون هذا السلوك في بعض الأحيان. فأثناء إجرائي إمتحان الرياضيات لشهادة البريفيه، وإذ كنت منهمكة في إنهاء المسابقة قبل انتهاء الوقت المحدد، أخذت المراقبة تدفعني إلى مساعدة الآخرين: "إنتِ شاطرة، ساعديهم، حرام"، قالت لي.

إلى ما سبق، هناك "الوسايط" والمعاملة المميّزة التي يتلقاها بعض التلاميذ، فيحصلون على اهتمام المراقبين، الذين يعرضون خدماتهم في تسهيل عمليات الغش لهم، بتوصية من أهلهم النافذين. لم يكن لديّ هذه التوصية، ولا هذه الواسطة، بل كانت هي المرة الأولى التي أختبر فيها عن كثب كيفية حدوث الغش.

في البريفيه، كانت المرة الأولى التي أتعرف فيها إلى الإستنسابية والتمييز. وعلمت حينها أن العمل الجاد ليس السبيل الوحيد إلى النجاح، فقرّرت أن أغشّ، وإن لم أكن بحاجة إلى ذلك، ولكن بجهدٍ فردي، كما إعتدت فعل الأمور دائماً.

في إمتحانات الشهادة الثانوية، تطوّرت المسألة. ذهبنا مجموعات إلى المكتبة المقابلة لمبنى مدرستنا الثانوية، لشراء "روشتات" جاهزة تتضمن دروس التاريخ والتربية والفلسفة والجغرافيا المطبوعة بخط صغير على أوراق يسهل وضعها في الجيب. لم نضطر حتى إلى إنتظار طبعها أو تصويرها، فقد كانت محضرة سلفاً وموضوعة على الرفوف بإنتظارنا. في ذلك الوقت، أوجدنا أساليب مبتكرة لتخبئتها. ألصقتها على بنطالي، ولبست قميصاً طويلاً لإخفائها. عمدت فتاة أخرى إلى إخفائها في صدريتها. وأمضى زميل آخر الليل بطوله يخطّ الدروس على يديه، عوضاً عن حفظها، ثمّ قضى وقت أطول يحاول محوها، ليستبدلها بخريطة دروس الإمتحان التالي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها