الخميس 2016/12/15

آخر تحديث: 02:21 (بيروت)

أبو زهير ملك السحلب

الخميس 2016/12/15
أبو زهير ملك السحلب
يصنع يدوياً أشهى سحلب في صيدا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يعلم الستيني زهير شفيق الحنقير، أنه يصنع يدوياً أشهى سحلب في صيدا. ويمكن القول، من دون مبالغة، في لبنان أيضاً. فتعلو وجهه الإبتسامة نفسها كلما تحدث عن مهنته. نناديه أبو زهير الحنقير من دون أن نعلم أنه زهير ابن أبو زهير، لأننا لم نعاصر والده كما فعل أهلنا.


زهير هو أبو شفيق وله 3 أولاد. أراد ابن أبو شفيق الأوسط تعلم مهنة أبيه وأراد أبو شفيق كذلك تسليم مهنته إليه تحديداً، لكن عمره كان قصيراً. شفيق ومصطفى، الابنان الأكبر والأصغر، أرادا التفرغ للتعلم ونيل وظيفة "ليؤسسا نفسيهما"، على ما يقول أبو شفيق. فهو الذي أسس نفسه من مردود هذه المصلحة وكوّن عائلته، يعتقد أن المهنة ستموت "بعد أن يأخذ الله أمانته". رغم ذلك، يرفض أبو شفيق تعليم مهنته لأي شخص غير أولاده. قد تكون هذه الحقيقة محزنة لكثيرين من محبي السحلب وسواها من الأكلات التراثية. لكن عند أبو شفيق يبقى موت المهنة أسهل من المساس باسم أبيه. فـ"من يتذوق السحلب الذي أطهوه اليوم يقول لي الله يرحم اللي علمك. إذا علمتها لحدا وما زبطت معو ح يقول يلعن أبو اللي علمك".

كان أبو زهير، أي شفيق الحنقير الوالد، أكثر حظاً من سواه من صنّاع السحلب المجايلين له. فبينما غاب اسم "رواد" السحلب التقليديين مثل أبوعفيف عبدالنبي، الحاج أبو إبراهيم الجعفيل، والحاج عيلاني والحاج وهبي، لأن أولادهم لم يرثوا مصلحتهم. نقل زهير الحنقير، ومعه شقيقه سهيل قبل سفره، المهنة من جيل أبيه إلى جيل أبنائه، منذ وفاة والدهما في العام 1986.

حافظ الأخوان على طريقة الطهي نفسها، وعلى تقديم أصناف أخرى مثل مهلبية الرز ومهلبية القطر والرز بحليب والبوظة العربية. لكن التغيرات التي طرأت على أسلوب الحياة الصيداوي، لم تستثن محل أبو زهير. فـ"أضفنا بعض الأصناف، كالكاسترد والمغلي وألغينا أصنافاً أخرى كالزردة، وهي من الأكلات التي اختفت من صيدا". تصنع الزردة من القمح والدبس والحليب والسكر "ومن يأكل منها لا يحتاج إلى حكيم"، يقول أبو شفيق.

قليلون هم الذين يعرفون أن السحلب هي نبتة بيضاء، يفضل أبو شفيق منها الانتاج التركي، بينما يوجد في السوق أنواع أخرى، دنماركية وأميركية وهندية. "لكن الهندي أسوأها"، يقول. وللسحلب قيمة غذائية كبيرة جداً، فـ"هو الدواء الأول ضد الأنفلونزا". ويروي أبو شفيق أنه كان في طفولته في محل والده حين زاره شاعر يعاني من البحة. وبعدما أكل كاستين من السحلب، وشعر بتحسن ألقى هذين البيتين: "من دفئ السحلب العجيب تعا كول يا حبيب/ واللي بياكل سحلب حنقير ما بيكشف عليه طبيب".

والسحلب، كما الحلويات المصنوعة من الحليب كمادة أساسية، هي حلويات تركية انتقلت إلى الصيداويين. من أجل ذلك، يعتبر أبو شفيق السحلب أكلة تراثية تعكس الحياة اليومية للصيداوي. فخلال الستينات، كان أبو زهير يطبخ السحلب عند الفجر ويبدأ البيع في الصباح الباكر، إذ كان معظم زبائنه من العمال الذين يبدأون نهارهم بالسحلب كوجبة ومصدر أساسي للدفئ، خصوصاً في فصل الشتاء. "كان هؤلاء العمال يحضرون معهم الخبز الغليظ ليأكلوا به السحلب، وكنا نقدم مع السحلب كعكاً اسمه أورشللي، وهو عريض وسميك. لكن الناس صاروا يفضلون الكعك الرفيع".

منذ نحو شهر، انتقل أبو شفيق من محل والده إلى محل آخر في شارع السكة في صيدا، خلف "لو مول" بعدما عاد شقيقه سهيل من السفر. يدير سهيل اليوم محل والده، بينما فضل أبو شفيق الإنتقال إلى خارج المدينة القديمة لتراجع جذبه للزبائن. لكن ليس لتراجع رغبتهم بالسحلب، بل خوفاً من الدخول إلى البلد، أي المدينة القديمة، بسبب قلة الأمن داخلها مساءً.

يبدأ أبو شفيق إعداد السحلب بعد الظهر، مغيراً طقوس الماضي، بسبب تغير الطقس. "يتركز البيع مساءً بعد غياب الشمس، عندما يبرد الطقس، في الوقت الحاضر". يقصد المحل الجديد، الذي يحمل اسم أبو زهير أيضاً، كثيراً من الشباب الذين يرغبون بتذوق ما تربى عليه آباءهم، كما يقصده جيل أبو شفيق ممن اشتاقوا إلى مذاق الماضي وعافيته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها