السبت 2016/12/10

آخر تحديث: 12:17 (بيروت)

الشيف ريشار.. الطباخ المسلي

السبت 2016/12/10
الشيف ريشار.. الطباخ المسلي
عندما يتحول إعداد الطعام إلى Entertainment
increase حجم الخط decrease
الشيف ريشار الخوري، ليس أحد أبرز أبناء الجيل الثاني من طباخي التلفزيونات اللبنانيين، بعد الشيف أنطوان والشيف رمزي وغيرهما، فحسب، هو قبل ذلك شيف تعلّم وعمل في لبنان وفرنسا، وكان طفلاً يحب الأكل ويحلم بالعيش وسطه.

هنا، أجزاء من حوار معه.


كنت أحب بطني كثيراً، وأحلم بمستقبل أكون فيه محاطاً بالطعام والحلويات. مع بداية الحرب الأهلية كنت في الثامنة من عمري وكانت بلدتي عاليه في أبهى حللها حيث كانت تضم أكثر من 6 صالات سينما، وكثيراً من المطاعم وأماكن اللهو. منزلنا كان في ساحة البلدة وسط مجموعة من المقاهي ومطاعم الأكل السريع التي تحاول جذب رواد الساحات في العادة. الأطفال في هذا العمر لا يفكرون سوى في اللعب أو الطعام. كنت آخذ النقود من أهلي وأصرفها من أجل شراء كرتونة بطاطا مقلية من سناك يقبع أسفل منزلنا، أو من أجل شراء كعكة كنافة من باتيسري مواجه لنا قبل ذهابي إلى المدرسة. لا يستطيع الأهل منع أولادهم عما يرونه يومياً، كما أن تلك المطاعم احتلت مجالنا العام وأصبحت رغماً عنا جزءاً من عاداتنا وأذواقنا.

كنت ذاك الطفل "الطبوش" الذي يحبه الجميع. عندما تطبخ أمي المجدرة أو الفاصوليا، أهرب من المنزل بحثاً في بيوت الجيران عن أكلة بفتاك أو روستو أو بطاطا بيوريه. وإذا صنعت أمي شيئاً أحبه، أساعدها بحماسة في إعداده. أذكر أنني قلت أول مرة لأمي خلال إعدادنا معاً فطائر البيتزا والسبانخ، أنني أريد أن أصبح شيفاً، لكنها لم تصدق. تعرف الأهل.. يريدون أولادهم أطباء ومحامين أو أن يتسلموا مصالحهم من بعدهم. أمنيتي السرية كانت تحويل مصلحة أبي وكل ما عمل عليه في حياته، إلى باتيسري وأعيش حياتي بين البيض والطحينة والسكر والغاتو.

في العام 1978 زرنا جدتي في الأشرفية، في انتظار انتهاء المعارك وصعود الجيش إلى المنطقة. أُقفلت طريق الكحالة– عالية ثم حدثت مجازر وعمليات خطف أجبرتنا على البقاء في بيروت. أخدنا شقة في بناية جدي في الأشرفية وبقينا فيها حتى نهاية الحرب. دخلت مدرسة فنية في الدكوانة حيث تلقيت تعليمي على أيدي الشيف أنطوان. بعدها تدربت في فندق فقرا وكان يعتبر من أفضل فنادق البلاد، وبدفع من خالتي في فرنسا، ذهبت إلى معهد في مدينة تولوز من أجل تعليم أكثر جدّية مما حصلت عليه في لبنان.

كنت أفضل الطعام الأوروبي على الطعام الشرقي، بسبب سلاسته ووجود ابتكارات كثيرة فيه. وإعداده كان أسهل بأضعاف من الأكل الشرقي الأكثر تعقيداً. في فرنسا عشت حياةً لم أكن أتخيلها، خصوصاً في مقارنتها مع وضعنا في لبنان المنهك يومها من الحروب. المفاجأة كانت أنني استطعت العمل بفضل واسطة من المعهد، في قصر الإليزيه، الذي كان يعيش فيه يومها الرئيس فرنسوا ميتيران، وكان يعد له الطعام أحد أهم طباخي البلاد جون كلود فينونديز. الجو كان في غاية الرقي واستطعت التماس طرق تقديم الأطباق بأكثر الأشكال شياكة وأناقة في العالم. بعد أشهر تعرفت إلى امرأة من جزر الموريس الفرنسية، وأصبحت زوجتي التي عدت معها بعد أقل من عام إلى لبنان.

في أول التسعينات وصلت إلى بيروت- إعادة الإعمار، وعملت في "أوفيوه كارتييه"، أحد أهم المطاعم الفرنسية في لبنان والذي داومت على ارتياده شخصيات بارزة في المدينة آنذاك. كان رأسمالي هو الخبرة التي تلقيتها في قصر الإليزيه والذي أعطاني سمعة خولتني الحصول على راتب مرتفع جداً بالمقارنة مع رواتب موظفين آخرين في المطعم نفسه. نتكلم عن مطعم يقدم الكافيار والكنار والسومو وفزلكات فرنسية كالباستا مع حبر الصبيدج وأصنافاً غريبة جعلته أحد أغلى المطاعم في بيروت وربما الشرق الأوسط.

في العام 2000 بدأت ملامح "الكريزة الإقتصادية" في بيروت تظهر. بدأت الفنادق بالازدهار، بالإضافة إلى المطاعم العصرية الجديدة التي دفعت مطعم أوفيوه كارتييه إلى التراجع ثم الإفلاس. انتقلت إلى فندق "روتانا جفينور" بمساعدة مدير الفندق الفرنسي، الذي عرف أنني عملت في السابق في قصر الإليزيه، وبأنني أمضيت شهر العسل في جزر الموريس الفرنسية، فكان ماضيّ الخاص بمثابة واسطة دفعته إلى اختياري للعمل في الفندق. لكن رغم كل شيء كان العمل في الفندق تراجعاً بالنسبة لي، بالمقارنة مع ما قمت به في السابق. فعدت إلى إعداد البرغر أو البيض مع قورما، والحمص وأشياء كنت أظن أنني أقلعت عنها منذ زمن. كما أن خبرتي في المطعم الشرقي كانت محدودة وصرت أتبادل مع زملائي الخبرات، وأعطيهم من مخزوني الفرنسي وهم يعطونني من مخزونهم العربي.

قبل فترة قليلة من بدء العمل في فندق جفينور، شارك أبي في إعلان باريلا معكرونة، الذي ظهرَت فيه للمرة الأولى أغنية "باريلا معكرونة شو طيبة يا عيوني يا عيوني"، والتي حازت شهرة واسعة. أخبرني أبي أن شركة أخرى تقوم بتجارب أداء شيف، من أجل تصوير إعلان لصلصة بندورة جاهزة. شاركت في الإعلان الذي فتح الباب أمامي للمشاركة في إعلانات أخرى، إلى أن شاركت في برنامج رمضاني مع نيشان في العام 2002 إسمه "قناديل بيروت". كان عليّ تقديم فاصل قصير في البرنامج أشرح فيه أحد الأطباق بطريقة سريعة وسلسة. في العام 2004 أرسلوا لي من أجل المشاركة في حلقتين من برنامج "الوادي" مع هيفاء وهبي.

عُرفت في أوساط الميديا والتلفزيون بأني الشيف الذي يستطيع تقديم فقرات طعام سلسلة ولذيذة. هذا ما حصل في برنامج آدم على شاشة أل بي سي، الذي كنت أظهر فيه لدقيقتين أو ثلاث، أشرح فيه أحد أنواع الأطعمة أو أقدم فقرة صغيرة تلائم موضوع الحلقة. مثلاً في إحدى الحلقات التي كانت تتناول موضوع الجنس، قدمت شرحاً سريعاً عن أكثر أنواع الأطعمة التي تقوي القدرة الجنسية.

صرت أقرب إلى مقدم برامج من شيف مطبخ. صارت وظيفتي تقديم ترفيه للمشاهد لأكون جزءاً من لعبة التلفزيون وحمى سباق القنوات التلفزيونية على المنافسة في شهر رمضان. فمثلاً، شاركت في أحد برامج المسابقات التي يتبارى خلالها فنانون على صناعة أطباق وكان عليّ تقديم شخصية وكاريزما أمام الجمهور أكثر من إعداد طعام لن يتناوله أحد غالباً.

أعتقد أن برنامج صباح الخير يا عرب الذي انطلق في العام 2008، كان أول برنامج ظهرت فيه وحيداً وأصبحت بفضله معروفاً في البلدان العربية، حيث مهد لي الطريق لأكون مقدم برامج أعد الطعام وحيداً وأصنع Entertainment الطعام الذي لم يكن موجوداً في عالمنا العربي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها