الثلاثاء 2016/01/12

آخر تحديث: 16:04 (بيروت)

اللاجئون السوريون في لبنان: شروط الإقامة تسهل الاساءة الينا

الثلاثاء 2016/01/12
اللاجئون السوريون في لبنان: شروط الإقامة تسهل الاساءة الينا
يدق تقرير "هيومن رايتس ووتش" ناقوس الخطر حول وضع اللاجئين السوريين ومصالح اللبنانيين (Getty)
increase حجم الخط decrease
رفضت يسرى، وهي لاجئة سورية تعيش في قرية بشمال طرابلس، أن تخرج مع رب عملها لتقديم "تنازلات جنسية" مرات عدة، كما تقول، فطردها من متجره. تعرف يسرى أن "غالباً ما يكون هناك تفاهم غير معلن بين رب العمل والمرأة التي تُقبل للعمل من دون حيازة اجازة إقامة بوجوب تقديم بعض التنازلات لرب العمل". وردت قصّة يسرى هذه من ضمن التقرير الذي أعدته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، والمبني على مقابلات أجريت مع 40 لاجئ ولاجئة سوري\ة لعرض تجربة إقامتهم في لبنان خلال سنة من وضع الأمن العام لشروط جديدة على إقامة اللاجئين السوريين في لبنان، في تقرير حمل عنوان "أريد فقط أن أعامل كإنسانة"، الذي أطلق الثلاثاء في فندق "ريفييرا"، والعنوان جملة مقتبسة من قول يسرى "أريد فقط أن أعيش هنا في سلام وأساهم في المجتمع اللبناني إلى أن أستطيع العودة إلى سوريا. أريد فقط أن أُعامل كإنسانة".


تفرض الشّروط الجديدة التي أعلنت في 5 كانون الثاني 2015 على اللاجئين أعباءاً تجعلهم أكثر عرضة للإنتهاك والتهميش من الناحيتين المادية والمعنوية. فرسم تجديد الاقامة على فرد تجاوز عمره الـ15 سنة تبلغ قيمته 200 دولار، من دون أن ننسى رسوم المعاملات الرسمية التي تتطلبها بيروقراطية الإدارة اللبنانية لتجديد الإقامة، والتي تبلغ تكلفتها هي الأخرى حوالى 75 دولاراً، على ما يؤكد رئيس مكتب "هيومن رايتس ووتش" في بيروت نديم حوري، "في وقت تعيش 70% من العائلات السورية اللاجئة في لبنان تحت خط الفقر و90% منهم يعيشون في عبء الديون". فضلاً عن ذلك، تقسّم الشروط الجديدة السوريين إلى فئتين: المسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وغير المسجلين، الذين يجب أن يؤمنوا كفيلاً لبنانياً للبقاء بشكل قانوني في البلاد، ما يجعل هذه الفئة من اللاجئين الأكثر عرضة للاستغلال، "وهذا ما عانى منه اللبنانيون في بلدان عربية خليجية والعمال الأجانب في لبنان أيضاً"، على ما يقول حوري.

وفي محاولة لمقارنة وضع اللاجئين السوريين في لبنان مع نظرائهم في الدول الأخرى، تقول الباحثة التي عملت على إعداد التقرير هيلي بوبسين لـ"المدن" إن "الوضع في تركيا مثلاً أفضل بكثير ومن السهل على اللاجئين هناك تجديد إقاماتهم. وبالتالي فهناك أمثلة حيّة أمام السلطات اللبنانية للنظر إليها في محاولة لإيجاد الطريقة الأفضل لتسيير شؤون اللاجئين". على أن أبرز التحديات التي واجهها معدو التقرير إرتبطت بغياب الأرقام الرسمية المعنلة من قبل السلطات اللبنانية، ما عرقل عملية الحصول على نتائج كميّة تعكس واقع اللاجئين. وهذا ما وصفه حوري بـ"غياب الشفافية عن المؤسسات اللبنانية". وفي السياق، ورد في التقرير نقلاً عن "مفوضية اللاجئين" وجود "1.2 مليون لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية في لبنان، في حين لم تنشر السلطات اللبنانية إحصاءات عن عدد اللاجئين السوريين الذين يفتقرون إلى الصفة القانونية بموجب القانون المحلي".

ويذكر التقرير أن شخصين فحسب استطاعا من بين الـ40 شخصاً الذين قابلتهم المنظّمة تجديد اقاماتهما اعتماداً على وثائقهما الصادرة عن مفوضية اللاجئين، واثنين آخرين من خلال كفيليهما، بعد أن رُفض التجديد لهما اعتماداً على وثائق مفوضية اللاجئين. وهذا ما تعززه قصة ايهاب التي يوردها التقرير، وهو لاجئ سوري يعيش في البقاع الأوسط، أوقف لعدم حيازته أوراقاً في آذار الماضي عند نقطة تفتيش تابعة للجيش في ضهر البيدر، وهي نقطة مؤقتة على الطريق السريع الرئيسي من البقاع الى بيروت. ويروي إيهاب انه أظهر أوراقه للجنود، وقال لهم إنه حاول تجديد أوراقه في الأمن العام في زحلة 4 مرات على الأقل ولكنه لم يكن يفلح، رغم أنه جمع كل الوثائق اللازمة ودفع الرسوم. وصفه الجنود بأنه كاذب وجروه إلى كوخ خشبي مجاور وقيدوا يديه، ثم ضربوه بخرطوم وهددوه بإعادته قسراً إلى سوريا. وبعد ساعات عدة أطلقوا سراحه وطلبوا منه أن يذهب إلى الأمن العام. وهدده عسكري قائلاً: "إذا عدت إلى هذا الحاجز ولم يكن لديك أوراق، فما فعلناه اليوم لا يعدّ شيئاً مقارنة بما سنفعله بك حينها". هكذا، بقي إيهاب في الفراش لمدة 3 أيام بسبب إصاباته قبل أن يستطيع المشي من جديد. وعن توقيف الجيش اللبناني لهؤلاء الأشخاص وتعرضهم للعنف الجسدي تقول بوبسين لـ"المدن" إنه "وفقاً للقوانين اللبنانية يحق للجيش توقيف هؤلاء الأشخاص، لكن تعذيبهم بهذه الطريقة يتنافى مع بنود العديد من الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان".

والحال إن هذا القرار يؤدي إلى اضطرار الرجال غالباً إلى البقاء في المنزل مقابل خروج الأطفال والنساء للعمل لإعالة العائلة في وقت يتعرّض فيه الرجال أكثر من النساء والأطفال للمساءلة حول أوراقهم الثبوتية. لكن خطورة هذا الواقع لا تقتصر على تعرض النساء والأطفال للتحرّش الجنسي فقط، بل إلى حرمان الأطفال من الذهاب إلى المدرسة بسبب حاجة عائلاتهم لمردود عملهم. وفي ظل الحديث عن التعليم، وعلى الرّغم من إطلاق وزير التربية والتعليم الياس بو صعب في 21 أيلول 2015، وفقاً للتقرير، حملة العودة إلى المدرسة التي تتيح للأطفال السوريين التعلّم في المدارس اللبنانية من دون الحاجة إلى تصريح إقامة قانوني لهم ولا لأبائهم، لا يزال بعض مديري المدارس، يمتنعون عن إلحاق هؤلاء الأطفال بالمدارس الرسمية ما لم يحصلوا على وثيقة إقامة قانونية.

وقد أنتج التقرير مجموعة توصيات لكل من وزارة الداخلية والأمن العام والسلطات اللبنانية ووزارة الدفاع، كإلغاء رسوم تجديد الإقامة لجميع السوريين وإنهاء احتجاز اللاجئين بسبب انتهاء مدة وثائق إقامتهم أو لأن ليس لديهم وضع قانوني. لكن المنظمة لم تستطع مناقشة هذه التوصيات مع الأطراف المعنية، رغم أنها بادرت للتواصل معهم من دون أن تحصل على موافقة على طلب المقابلة حتى الآن. في كل الأحوال، تترك هذه السياسة، بالنسبة لبوبسين، "نتائج كارثية على اللاجئين وعلى لبنان على حد سواء". واذا كان هدف هذه السياسة الحد من أعداد اللاجئين السوريين في لبنان، وفق حوري، فإنها "لم تستطع تحقيق هذا الهدف بسبب انعدام الخيارات أمام اللاجئين السوريين، الذين يخافون العودة إلى سوريا ولا يملكون الموارد المالية الضرورية للهجرة خارج لبنان"، معتبراً أن هذا التقرير "يدق ناقوس الخطر حول وضع اللاجئين السوريين ومصالح اللبنانيين".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها