السبت 2015/04/11

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

"جفرا".. مقهى يعيد "الروح" إلى مخيم برج البراجنة

السبت 2015/04/11
"جفرا".. مقهى يعيد "الروح" إلى مخيم برج البراجنة
increase حجم الخط decrease
"ملتقى جفرا هو من المشاريع التي كنت أحلم بتحقيقها. جمعت مبلغاً من مالي الخاص وبدأت العمل على تنفيذه بمساعدة أهل المخيم وأصدقاء لي". هذا ما قاله لـ"المدن" أشرف الشولي، الموسيقي الفلسطيني الشاب وصاحب مشروع "ملتقى جفرا"، الذي سيُفتتح اليوم (السبت) الساعة السادسة مساءً في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في الضاحية الجنوبية لبيروت.

فكرة المشروع، كما يقول أشرف، هي إيجاد مكان ليتلاقى فيه سكان المخيم، ولجذب لبنانيين وسوريين وأجانب إليه، مما يساعد على فكّ عزلته وفتحه على بيروت.

وُلد أشرف في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور الجنوبية. تركه في العام 2007 وسكن في بيروت ليعمل في جمعيات ومنظمات غير حكومية وليعزف العود برفقة فرقته الموسيقية "مونتيكارلو" في مقاه متعدّدة في منطقتي الحمرا والجميزة.

زياراته المتكررة لمخيم برج البراجنة، جعلته يُفكّر بنقل تجربة المقاهي الثقافية والنوادي التي شهد على تأسيسها في مخيم الرشيدية إليه، علّها تبعث الحياة والأمل من جديد في مجتمع معزول عن محيطه ومحاصر به، يعيش في مكان سماؤه أسلاك كهربائية متشابكة سوداء كثيفة، وأرضه محفّرة، تكاد تهوي من ثقل البيوت المتراصة فوقها.

اختار أشرف أن يستأجر بيتاً مؤلفاً من غرفتين قرب أحد مداخل المخيم، هكذا يتمكّن الزائر من الوصول بسهولة إليه، ولا يضيع في زواريبه المتشعّبة والضيّقة، التي لا يمكن حفظها إلّا لمن وُلد وعاش فيه. في الغرفة الأولى مقهى سيستقبل شباباً وشابات، وسيكون المكان المختلط الأول والوحيد في المخيم. إذ أن المقاهي الصغيرة القليلة الموجودة فيه هي للرجال فقط. وستطبخ سيدة من المخيم مرّة في الأسبوع أكلة فلسطينية تقّدم بسعر رخيص للرواد. أما الغرفة الثانية فهي مكتبة مفتوحة لمن يرغب بالقراءة. "من صمّم ديكور المكان لبناني، ومن رسم على الجدران فلسطيني، وخطّاط سوري تطوّع بالمشاركة في تزيين الجدران أيضاً. تجهيزات المقهى والمكتبة كلّها تقريباً تبرعّات من أصدقاء معظمهم لبنانيين"، يقول أشرف.

في غرفة واسعة ثالثة، إلى جانب المقهى والمكتبة، ستقام النشاطات التي يأمل "الملتقى" تحقيقها: حفلات موسيقية، أمسيات شعرية، عرض مسرحيات وأفلام، نشاطات لأطفال المخيم، دورات تصوير يُعلن عنها لتستقطب أشخاصاً من خارج المخيم أيضاً، من الضاحية الجنوبية تحديداً. "ورغم ان تعاطي المخدرات منتشر بكثرة في المخيم، إلا اننا سنحاول، بالرغم من صعوبة ودقّة الحالة، جذب الشباب المدمنين إلى هذا المكان، وإيجاد اهتمامات تشغلهم عن إدمانهم من جهة وتدمجهم في النشاطات الثقافية من جهة أخرى"، قال أشرف.

يريد أشرف لهذا المقهى الثقافي أن يصبح مكاناً للمصالحة بين أهل المخيم المنقسمين بين "فتحاوي" و"حمساوي"، وللتقارب بين أبناء المخيم واللاجئين الجدد إليه، من الفلسطينيين والسوريين الذي جاؤوا من سوريا بعد اندلاع الثورة هناك في العام 2011، و"الذين يتمّ التعاطي معهم بـعنصرية من قبل اللاجئين القدامى".

الجوّ في المخيم إيجابي جداً تجاه المشروع، وفق أشرف، فـ"الكلّ متحمّس وينتظر افتتاحه"، لأنه سيشكّل متنفساً لسكان المخيم، الذي يُقدَّر عددهم بحوالي العشرين ألفاً، والذين يعيشون في مساحة تقارب كيلومترين إثنين.

"صار المخيم معتماً حتى في النهار من كثرة طبقات البناء التي تنمو من دون بنى تحتية مؤهلة لتحمّلها"، قال علي حامد، المهندس المعماري، الذي وُلد في المخيم وعاش فترات متقطّعة فيه، وكان شاهداً على الحصار الذي تعرّض له وعلى الحروب التي شُنّت ضدّه وعلى التقاتل الداخلي فيه خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية. وهو لم يزر المخيم منذ خمس سنوات، لأنه تعب "من حالته البائسة ومن الاحباط المُخيِّم على سكانه".

"في العام 1999، كنت ما أزال طالباً أدرس الهندسة المعمارية، وكنت ما زلت طموحاً. تقدّمت بمشروع معماري إلى اللجنة المسؤولة عن المخيم. كنت متأثراً وقتها بشكل بيوت القرى في تونس والمغرب، وهي عبارة عن مربعات بيضاء متشابهة، بشبابيكها وبواباتها وأسطحها وأردت أن أطبق هذا النموذج في المخيم. فاقترحت أن ندهن البيوت، أن نزرع شجراً حولها، أن نضع مقاعد لمن يريد أن يستريح، ونضيء الزواريب. صرت أضحوكة اللجنة. برأيهم، لا يجب أن يتحسن شكل المخيم خوفاً من ردّة فعل المجتمع اللبناني. يجب أن يبقى الوضع بائساً كي لا يظنّ اللبنانيون، دولة ومجتمعاً، أن سكان المخيم يحسّنون وضعهم ليستقرّوا في لبنان".

لكن هذه الحالة بدأت تتغيّر منذ ثلاث سنوات، قال أشرف. "كأن الشاب الفلسطيني بدأ يعي بؤس وضعه ويريد الخروج من هذه الحالة". وتابع بأنه كل عام يموت ولد أو ولدان في المخيم بسبب أسلاك الكهرباء، وهناك من يموت "بالغلط" في اشتباك ما. تراكم هذه الأحداث وغيرها أدّى إلى إحساس بالنفور "من العسكرة ومن موضوع السلاح داخل المخيمات، وإلى رغبة في تغيير الوضع القائم، مما دفع بعض الشباب منذ سنتين إلى إطلاق مشروع لتشجير المخيم، وقبلها زيّنوا جدرانه بأسماء القرى الفلسطينية التي ينتمي إليها أهله".

واليوم، سيشكّل "ملتقى جفرا" مكاناً للتجمّع والتعبير واقتراح الأفكار والسعي لتنفيذها. "عدا عن النشاطات الثقافية، نريد معالجة مسألة الكهرباء وردم حفر الطرقات وإنارة الزواريب. أفكّر أيضاً بتأسيس فرقة غنائية للمخيم، وبتحويل الملتقى فيما بعد إلى جمعية قادرة على تنفيذ كل هذه الأفكار"، ختم أشرف، ممتلئاً أملاً وحماساً وقناعة بأن أهل المخيمات ليسوا محكومين بالاحباط والبؤس، بل إن التغيير ممكن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها