الثلاثاء 2015/02/17

آخر تحديث: 14:03 (بيروت)

طالب سوري في لبنان: هنا حروب من نوع آخر

الثلاثاء 2015/02/17
طالب سوري في لبنان: هنا حروب من نوع آخر
السوريون أنفسهم، حين كنت أختلط بهم، لا يتحدثون إلا عن الهجرة إلى أوروبا (عمل لـ تمام عزّام)
increase حجم الخط decrease
هذه شهادة طالب ماجستير سوري إنتقل، إلى بيروت، منذ أكثر من سنة لاستكمال دراسته في احدى الجامعات الخاصة. وهي تحيل إلى انقطاعات الحياة الأولى، بهموم مضاعفة، أصعبها تأمين حد أدنى من الاحترام، في مجتمع مُضيف، على ما سُمي لبنان، لا يدعم اللاجئين إليه ولا يراعي أوضاعهم، بل على العكس، يحمّلهم تبعات ما لا يحتملونه.

أنهيت مرحلتي الجامعية الأولى في جامعة حلب. وما إن حصلت على الشهادة حتى بدأت محاولاتي الحثيثة لإكمال الماجستير بغية إكمال الدراسة ونيل مكانة اجتماعية في محيطي، أولاً. وثانياً، للهروب من شبح الخدمة العسكرية الإلزامية. وهو طموح سبّب "نزوح" شبان سوريين كثيرين غير مشاركين في الحرب، للخلاص من كابوسها.


قررت اختيار البلد الأقرب جغرافياً، والذي كان الأسهل في اجراءات قبولنا كسوريين. اذ لم يكن مطلوبٌ مني غير تأمين هويتي ومبلغ بسيط من المال. وبعد اجتياز الحدود السورية "بسلام" بدأ يتضح لي مسار آخر للمعاناة لا يرتبط بالحرب مباشرة. وذلك عندما بدأ عناصر الأمن اللبناني بتحقير الشبان بالقول لهم "بالدور يا كلاب"، وقد كنا ننتظر منحنا تأشيرة الدخول.


عمل مرهق
لكن الدراسة وحدها لا تكفي في لبنان. اذ يفترض بي، أيضاً، أن أؤمن دخلاً مقبولاً يساعدني على العيش وتأمين أقساطي الجامعية. بدأت بالبحث عن عمل بشهادتي الأدبية، من دون أن أصل إلى نتيجة مرضية. يكفي أن يعرفوا أنك سوري لكي تُرفض، أو تُقبَل بشروط عمل استغلالية. أخيراً، وجدت عملاً في سوبر ماركت في بيروت. لكنه يبقى عملاً لا يناسب شهادتي ولا طموحي.

كان العمل مرهقاً. لكن سرعان ما تأقلمت معه نتيجة لحاجتي لتأمين قسط الجامعة الخاصة المرتفع نسبياً حتى على الطلاب اللبنانيين أنفسهم. أبدأ يومي بالاستيقاظ عند الخامسة فجراً لألحق الباص الذي يقلني من بيتي في الضاحية الجنوبية لبيروت الى مكان عملي في رأس بيروت. وأصل تقريباً عند السابعة والربع.


حقوق مسلوبة
في العمل، ولأسباب صارت معروفة، أصبحت جنسيتي حجة لنعتي بـ"الداعشي"، في مزاح ظاهر لا يُخفي أصله. مع ذلك استطعت التأقلم معهم، وتكوين صداقات من بينهم. بينما بدا لي أن دراستي، وان كنت أعمل في مرتبة أقل منهم، تجلب لي شيئاً من التقدير.

مع الوقت، بدأت تتضح لي أشياء كثيرة. منها أن الموظف اللبناني الذي لا يملك أي شهادة يتقاضى ضعف المبلغ الذي أتقاضاه، بالإضافة إلى الضمان والتأمين الصحيين. لا بل ان أحد القرارات الأخيرة للتعاونية، والتي أستثنيتُ منها، كان منح الموظفين اللبنانيين بطاقات تأمين صحية تساعدهم في الاستشفاء لدى أي طبيب توفره المؤسسة.

في الواقع، ما زلت مجرد عامل يومي لا يُعطِّل مثلما يعطل اللبنانيون في العطل الرسمية، لأنها ببساطة ستخصم من يوميتي. عليه، بدأت بالتحرك للمطالبة "بزودة" لا تلبي الا القليل من احتياجاتي، لكنها كانت تُقابل، من جهة الادارة، بالوعود فحسب. لكنهم، عند الحاحي، كانوا يقولون لي "انت تعمل جيداً، بس إذا ما عجبك فل".


نفكر في أوروبا
لا يبدو أن دراستي الماجستير قد عنت لهم شيئاً. وكان من المفترض بي، حسبهم، أن أرضى بوضعي لأنني أعرف وضع السوريين الحالي في لبنان. وهذا ما كنت أعرفه، اذ أنني لن أجد عملاً مناسباً آخر. لكني كنت قد تسجّلت في الماجستير في تقسيم للمواد يمتد على ثلاث سنوات لكي أستطيع تأمين الأقساط، بينما يُفترض أن تُنهى هذه المرحلة بسنتين. مع ذلك كنت أستدين لتأمين قسط كل فصل دراسي، فيما لم تساعد ادارة الجامعة الا بتمديد فترة الدفع، من دون خصم.

كنت أرى الشبان السوريين الذين يعملون في المؤسسة نفسها في توصيل الطلبيات، لكن من دون أجر، بل يتقاضون "أجورهم"، اذا صحت هذه التسمية، من الزبائن ألف ليرة أو ألفي ليرة أو لا شيء أحياناً. وهم رغم ذلك يواجهون رفض فئة معينة من المسؤولين في التعاونية لوجود أي سوري في المؤسسة، وسعيهم لاستبدالهم بعمال بنغلادشيين. هذا ما كان يُتداول بين الموظفين، فيما كان السوريون أنفسهم، حين كنت أختلط بهم، لا يفكرون ولا يتحدثون إلا عن الهجرة إلى أوروبا والعيش فيها بكرامة.


مهانة أخيرة
أثناء عودتي الى المنزل يقف الباص عند حاجز في مدخل الضاحية الجنوبية. يخرج العنصر ويقول "كل حدا سوري يطلّع هويته". في مرة سابقة، وأثناء عاشوراء، قالوا لنا أن كل "سوري ينزل عالأرض". هكذا، تشعر أنك ارهابي. بدأت أفكر، تجنباً لهذا الحاجز، بالمشي ساعة كاملة. ليس لأنني ارهابي أو ان أوراقي غير نظامية، ولكن، على الأقل، كي لا أشعر بضياع انسانيتي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها