على هامش"نداء الى شعبنا السوري"

فايز سارة

الخميس 2017/01/05

آخر الصرخات السورية لمرحلة مابعد معركة حلب، كان ورقة "نداء الى شعبنا السوري" الذي وقعه عشرات من المفكرين والكتاب والسياسيين والناشطين، وضمنوه "وجهة نظر نقدية لتصحيح مسارات الثورة"، كما قال النداء الذي حدد اصحابه، ان مهمته مراجعة مسيرة الثورة "بطريقة نقدية ومسؤولة لمعرفة أين كنا وأين صرنا؟ أين أصبنا أو أخطأنا؟ ولماذا حصل ما حصل؟ وما السبيل إلى تصويب أوضاعنا؟ باعتبار ذلك من ضرورات العملية النضالية، وأبجديات العمل السياسي". وبناء وانطلاقاً من وظيفة النداء، اعادوا التذكير باهداف الثورة في "إنهاء نظام الاستبداد والفساد، ومن أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية والعدالة والدستور، ومن أجل استعادة الدولة"، ثم انتقلوا لتناول ملامح أساسية من تطورات القضية السورية، قبل انتقالهم الى ماأسموه "أوهام ومراهنات ينبغي القطع معها" في تعداد لما اعتقدوا انه ارتباكات وارتكابات، تمت في المستويين السياسي والتنظيمي من جانب الثورة والمعارضة في السنوات الست الماضية، وقد بنوا عليها استنتاجاتهم للخطوات اللازمة تحت عنوان فرعي "مهمات في مسار جديد للثورة السورية"، لينتهوا الى قول "هذه هي مراجعتنا لمسارات ثورتنا المجيدة، وهذا هو نداءنا لشعبنا لتصحيح هذه المسارات على طريق الحرية والكرامة والمواطنة...".

صرخة المبادرين الى اصدار "النداء" ومن وقعوا عليه، كما غيرها من صرخات السوريين المكررة، ومن الطبيعي، ان تصدر عليها ردات فعل متفاوتة، تترواح حدودها مابين تأييد واستحسان ما تضمنته كلياَ او جزئياً، ونقد محتواها وصولاً الى التشهير بمن قاموا بكتابتها او التوقيع عليها بمعنى تبنيها او دعهما، فهذا تقليد سوري رسخته التجربة في الأعوام الماضية.

ودون الدخول في مناقشة وجهات النظر المختلفة حول ال"نداء" في محتوياته واستنتاجاته، وخلفيات القائمين عليه، واختلاف وجهات النظر حول ماسبق، فانه وباعتباري احد الذين شاركوا في صناعة تلك الورقة، فقد يكون من المهم، ان اشير الى بعض الظروف، التي قادت الى هذا الجهد، وقد كان ثمة موجبات مستمرة للقيام به او بمثله على مدار السنوات الماضية، وقد فعل كثير من السوريين ذلك، وفي معظم الأحيان، كانت مجموعتنا او بعض اشخاص منها في تلك المحاولات، بما فيها خطوات ذهبت في محاولات تنفيذية، لكنها لم تصل الى النتائج المرجوة، غير انه وفي نتائج معركة حلب الاخيرة، التي تمثل مفصلاً سياسياً وعسكرياً مهماً في مسار القضية السورية، ووسط السياسة التي تعاملت معها قوى المعارضة السياسية والعسكرية بما لايعكس أهمية المعركة ونتائجها، ولايتناسب مع مسؤوليتها السياسية والعسكرية المباشرة وغير المباشرة عما حدث، فان هذين الظرفين فرضا ضرورة الذهاب الى خطوة جديدة، تكون اشمل وأكثر تدقيقاً في نقد التجربة، ورسم خارطة طريق لما ينبغي القيام به، وهو امل قد لا نكون بلغناه، لكن لدينا كل الامل في ان نبلغه بالتعاون مع سوريين آخرين، يمكن يثروا النقاش حول الورقة لاكمالها، والاهم بذل جهدهم في خلق القدرة العملية لتحويل الأفكار الى عمل، لانه لاقيمة لايه فكرة، اذا لم تتحول الى قوة واقعية في حياة الناس وعلى الأرض.

ان الهاجس الأساسي الذي صاحب السعي من اجل الوصول الى صيغة النداء، تركز في السعي نحو رؤية عامة وموضوعية في آن واحد، من فريق واحد عبر صيغة تفاعلية، تناقش وتحلل القضية السورية بالتركيز على نقاط ثلاثة، اولاها، كانت نقطة توصيفية تحليلية، ركزت في البحث عن فهم اشمل لتطورات الوضع السوري في واقعه وتطوراته الداخلية وفي علاقاته الداخلية والإقليمية والدولية، والعلاقات الرابطة بينها جميعاً، ولهذا فانه لم يتم التركيز مثلاً على أي جانب أو طرف وحده، بل بعلاقته مع غيره من الجوانب والأطراف، بخلاف مادرجت عليه كثير من محاولات، تقييم ماحصل وتفسيره.

والنقطة الثانية، كنت نقطة استنتاجية، جرى بناء محتوياتها على سابقتها من جهة وعلى مايعتقد انه احتياجات ضرورية للذهاب في القضية السورية الى نهاية، تتناسب واحتياجات الشعب السوري الراهنة والمستقبلية وسط مايحيط بسوريا والسوريين من كوارث، لابد من مواجهتها في الطريق الى مستقبل افضل لسوريا وابنائها، وبناء عليه جرى تحديد مهمات المرحلة المقبلة، كما صاغتها الورقة.

النقطة الثالثة، دفع مزيد من الشخصيات والتنظيمات العاملة في صفوف المعارضة السورية للانخراط في نقاش جدي وتفكير عميق بما جرى، وبيان سبل الخروج العملي منه، أخذاً بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والمعطيات الواقعية نحو المهمات المطلوبة سواء العاجلة منها أو المهمات الابعد، والتي من شانها تحقيق أهداف الشعب السوري وثورته في السلام وانهاء معاناة السوريين، وإقامة نظام وطني ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.

ان اثارة نقاش جدي ومسؤول في أوساط السوريين بات امراً ضرورياً، لايقبل التأجيل وليس مقبولاً أخذه على طريقة النقاشات السائدة، سواء في تفاصيلها، التي تبعدنا عن الهدف الرئيس، او طريقتها، التي تركز على ادانة الآخرين وتبرئة الذات، او أهدافها والتي غالباً ماتكون تحقيق انتصارات صغيرة او اثبات للذات الشخصية أو الحزبية – السياسية في مواجهة الآخرين. لقد بتنا بحاجة الى تغيير كثير ليس في فهمنا لما جرى والمهمات المطلوبة على نحو ما ذهبت الورقة اليه، انما ايضاً الى إعادة ترتيب علاقاتنا ونظرتنا لانفسنا وللاخرين سواء المشاركين معنا في هموم القضية السورية وشؤونها، او المختلفين معنا بمن فيهم أعداء هذه القضية، التي دفع شعبنا من اجلها كثير من التضحيات، وتعرض لكثير من معاناة غير المسبوقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024