من حلب الى الأستانة

علي العبدالله

الثلاثاء 2016/12/27

لم يكن استبعاد قوى دولية نافذة(الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي) وقوى إقليمية مؤثرة(السعودية) نقطة ضعف اجتماع موسكو الثلاثي وخريطة طريقه لحل الصراع في سوريا الوحيدة، بل لعل التعارضات التي تحكم مواقف الدول الثلاث من الملف بتفاصيله، والنهاية المتصورة للصراع لها انعكاسات سلبية أكبر على فرص نجاح الحل المطروح. فالدول الثلاث جمعها تقاطع مرحلي وفرته أسباب ومبررات متناقضة جعلته توافقا هشا وآنيا، فالتقاطع لم يترتب على توافق على المنطلقات والحلول وعلى حقائق ايجابية جمعت أطرافه بل ترتب على مصاعب واحتمالات غير مريحة لها على خلفية انعدام فرص الحسم من جهة، وعدم توفر شروط موضوعية لإنهاء الصراع في زمن محدد من جهة ثانية، وحاجتها المرحلية الى بعضها في مواجهة عقبات كبيرة وتحقيق مصالح خاصة بكل منها من جهة ثالثة. فروسيا التي شاركت النظام وإيران وميليشياتها الشيعية في تدمير مدن وبلدات سورية، وخاصة مدينة حلب، وتهجير سكانها، باستخدام أسلحة محرمة دوليا، ناهيك عن تعمد استهداف المستشفيات والمدارس والأسواق الشعبية وسلاح الحصار والتجويع، إرضاء لتوجهات إيرانية، دون اعتبار للآثار السلبية على استقرار الدولة السورية والإقليم وصورة روسيا ذاتها في نظر الرأي العام العالمي، في ضوء فشل محاولتها إرغام/أو إغواء الغرب، الولايات المتحدة بخاصة، على الاعتراف بها قوة عظمى وإشراكها في إدارة الأزمات الدولية وحلها، واستحالة هزيمة المعارضة عبر القصف الجوي والصاروخي فقط، وتجنب الغرق في أفغانستان جديدة بإرسال قوات برية كبيرة، واضطرارها لمواصلة التدخل حتى تحقيق هدفها الرئيس: الاعتراف بها قوة عظمى ثانية في النظام الدولي، وضعتها، تلك المشاركة، في خانة الدول المعتدية والضاربة عرض الحائط بمقتضيات القانون الدولي الإنساني وفي عداء صريح مع المجتمعات المسلمة السنّية، وهذا دفعها للقيام بمحاولة التفاف على ردود الفعل الدولية والسنّية عبر تحرك سياسي بطرح مبادرة لحل الصراع، بعد أن كانت تفاعلت مع بعض مطالب تركية في سوريا كي توفر غطاء سنّيا لدورها ولممارساتها الوحشية في سوريا على أمل تخفيف حالة العداء ضدها بين المسلمين السنّة، والضغط على إيران للانخراط في الحل المقترح لتحسين صورتها لدى الإدارة الأميركية القادمة، التي تتبنى مواقف حادة من السياسات الإيرانية في الإقليم والعالم، كي تحافظ على التوازن الراهن في سوريا وتوظفه في المساومة مع هذه الإدارة، دون استبعاد ان تضطرها المساومة للتضحية بمصالح حلفائها(النظام وايران)، وهذا جعل تحركها السياسي اضطراريا بامتياز. إيران من جهتها دخلت التفاهم الثلاثي اضطراريا، فالإدارة الأميركية القادمة لا ترفض الاتفاق النووي بصيغته الراهنة فقط بل تنظر الى إيران كدولة مارقة ومخرّبة وداعمة للارهاب، وقد عكست تعيينات الرئيس المنتخب لأركان إدارته ما تنطوي عليه من توجهات خطرة على إيران ما دفعها الى مسايرة التوجه الروسي والقبول بالخطة التي تقضي، على الضد من توجهاتها، وقف إطلاق نار شامل، كي تضمن استمرار التحالف بينهما وتوظيفه في احتواء قرارات الإدارة الأميركية الجديدة ضدها، وهي تعمل على الأرض على الضد من الخطة بالمطلق، اذا من المعلوم انها تتبنى خيار الحسم العسكري وسحق المعارضة المسلحة والقضاء عليها، ناهيك عن عدم ترك تنفيذ الخطة لغريمتها الاقليمية: تركيا. تركيا التي تواجه مشكلات سياسية وأمنية واقتصادية وحقوقية دخلت منذ بعض الوقت في مناورة غبية: التقرب من روسيا للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتغيير مواقفهما في ملفات تركية داخلية(الحريات وحقوق الإنسان) وخارجية(وقف الدعم للحقوق الكردية ودعمها العسكري المقدم لحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري "وحدات حماية الشعب"، فتح باب دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي).

لن يكون لهذا التوافق الاضطراري أثر ايجابي على الصراع في سوريا وعليها لاعتبارات تتعلق بقدرته على الاستمرار والنجاح في ضوء تباين خلفيات التوافق وتعارض تصورات الدول الثلاث حول مصير سوريا وطبيعة الحل النهائي المرغوب فيه من جهة، وردود فعل القوى الاقليمية والدولية التي استبعدت من التوافق وتم تجاهل مصالحها وردود افعالها المحتملة من جهة ثانية. فروسيا التي ترغب في الامساك بالملف والتحكم بالتوجهات الاقليمية والدولية حوله قد تضطر الى نقض الاتفاق الثلاثي والعودة الى استخدام القوة المدمرة عندما تفشل في اقناع الإدارة الأميركية الجديدة في اعطائها الدور الدولي الذي تريد، والبدء برفع العقوبات الاقتصادية عنها والاعتراف بشرعية ضمها لجزيرة القرم، وهو موقف اشارت اليه جريدة كوميرسانت الروسية يوم 25/12/2016 حيث جزمت "أن الحملة الروسية في سوريا ستتصاعد عام 2017"٬ هذا دون استبعاد بروز التباين بين الاطراف الثلاث في حال فشلت موسكو في تليين موقف الإدارة الأميركية الجديدة من ايران ونجحت تركيا في اقناع هذه الإدارة في التخلي عن تأييدها ودعمها للمطالب الكردية في سوريا، او اكتشافها لحجم الضرر الذي تسببت به مناورتها الغبية بخسارتها للتعاطف السنّي مع قضاياها في ضوء بيعها لمدينة حلب مقابل غطاء روسي لعملية "درع الفرات" في شمال المحافظة وانخراطها في اضعاف المعارضة السياسية السورية، وخاصة "الهيئة العليا للمفاوضات"، عبر الاعتماد على ممثلي فصائل عسكرية لتمثيل المعارضة السورية في المؤتمر المزمع عقده في الاستانة عاصمة كازاخستان، ما سينعكس سلبا على علاقتها مع الدول العربية والاوروبية التي تقف مع هذه المعارضة، ومع حتمية اصطدامها بالتوجه الروسي لفرض رؤيته للحل في سوريا دون اعتبار لمصالحها وطموحها الإقليمي والعام.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024