مئة عام على "السوفراجيت"

شادي لويس

الثلاثاء 2018/02/13
احتفل البريطانيون، الأسبوع الماضي، بالذكرى المئة، لمنح المرأة الحق في التصويت للمرة الأولى. وكان قانون "تمثيل الشعب" حينها يقصر تصويت النساء على صاحبات الأملاك أو التعليم الجامعي، ممن تجاوزت أعمارهن الثلاثين عاماً. واحتاج الأمر عقداً كاملاً، حتى نالت البريطانيات في العام 1928، الحق في التصويت، سواء كن من صاحبات الأملاك أم لا، وفي سن 21 سنة وما فوق، كالرجال. في العام 1937، منح القانون البريطاني، المرأة، حقوقاً مساوية للرجل في ما يخص مسألة الطلاق، للمرة الأولى. ولم تمتد المساواة، من المجال السياسي والأحوال الشخصية، إلى العمل، حتى العام 1970، بإصدار قانون "المساواة في الأجور". 

وكما أن قانون العام 1918 لم يكن نهاية الإصلاحات في سبيل حقوق مساوية للبريطانيات، فإنه لم يكن بدايتها أيضاً. فمنذ العام 1866، تحولت الدعوات المطالبة بالحق في التصويت، إلى حركة سياسية منظمة وعلنية سلمية. ولاحقاً، أخذت حركة "السوفراجيت" منعطفاً أكثر راديكالية. فبعد واقعة "الجمعة السوداء" العام 1910، عندما اعتدت قوات الشرطة بدنياً، وبعنف شديد، على وفد من النساء، ومنعتهن من الدخول إلى مجلس العموم، تبنت الحركة تكتيكات أكثر عنفاً، في نضالاتها. فإلى جانب إيملي دافيسون، التي توفيت بعد أربعة أيام من إلقاء نفسها أمام حصان الملك جورج الخامس، فإن آلاف النساء شاركن في عمليات تخريب الممتلكات العامة ووسائل المواصلات والأعمال الفنية، وإشعال الحرائق العمدية، والإضراب عن الطعام، وربطن أنفسهن بالسلال في سور البرلمان وقصر باكنغهام، ومئات منهن أيضاً تعرضن للعنف المفرط من الشرطة، وأحكام بالسجن، وعمليات تعذيب وإطعام قسرية في محابسهن.

نالت حركة السوفراجيت، شهرتها، بفضل تلك الراديكالية، ولو أنها لم تكن استثناء. فبالتوازي معها، وقبلها أحياناً، ولاحقا في أماكن أخرى، خاضت الحركات النسوية حول العالم، نضالاتها لنيل حقوق سياسية وقانونية متساوية مع الرجال، ونجحت في تحقيق الكثير في معظم الأحيان. لكن بعد مئة عام من السوفراجيت، وبينما تتصاعد فضائج التحرش والاعتداء الجنسي، من هوليوود إلى السياسة وأماكن العمل وأبعد، كاشفة المعاناة المستمرة للنساء في أدق تفاصيل حياتهن اليومية، فهل حقا أصبح وضع النساء اليوم أفضل؟

لا تسمح لنا الكثافة الإعلامية الآنية، وثقل تغطياتها لليومي، في أحيان كثيرة، بتبيّن حقيقة أن أوضاع النساء قد تحولت بشكل شديد الجذرية في القرن الماضي. ففي بريطانيا، التي لم يكن للنساء فيها حق التصويت، تتولى امرأة منصب رئاسة الحكومة، وتقود امرأة أيضاً حزب الحكومة الأسكتلندية، وتترأس إمرأتان حزبين رئيسيين آخرين، أي الخضر والشين فين، في إيرلندا الشمالية. وفي منطقتنا، ورغم الأوضاع السيئة للنساء، لا يمكن الإنكار بأن بلادنا شهدت وثبات قانونية لصالح المرأة. فالأعمال السينمائية المصرية التي كانت تيمة "بيت الطاعة" فيها تتراوح بين الكوميديا والتراجيديا، أصبحت جزءاً من الماضي، بعد صدور قانون الخلع في العام 2000. في تونس، نالت النساء أخيراً، نصيباً متساوياً في الميراث، وحق الزواج من الرجال غير المسلمين. حتى في السعودية، تتأهب النساء، هذه الأيام لممارسة حقوقهن في قيادة السيارات، أخيراً. وفي طول المنطقة وعرضها، فإن عشرات الملايين من النساء اللواتي كن محرومات من التعليم، والحق في العمل، وغيرها من الحقوق، قبل عقود قليلة، أصبح وجودهن في المجال العام أمراً مفروغاً منه، وبديهياً. بل إن الغضب الذي يتملكنا من أخبار جرائم الشرف، وختان البنات، ربما هو نفسه دلالة على تطور الوعي العام إلى الأفضل. فقبل عقود، لم تكن تلك الممارسات لتعتبر جرائم أو حتى أفعالاً مستهجنة.

لكن ومع أن تلك النظرة الكلية والتاريخية لمسارات التقدم الخطّي في ما يخص حقوق المرأة، تحمل كثيراً من المنطق، إلا أنها ليست بالضرورة صحيحة، وغالباً ليست مفيدة أيضاً. فالاطمئنان إلى الطبيعة التقدمية للتاريخ، والثقة المفرطة في نجاعة التنوير والحداثة، تعمينا عن أن المعاناة، كغيرها، أمر نسبي، ووليدة سياقها، بغض النظر عما إذا كانت الأوضاع قبل جيلين أسوأ أم أفضل.

يظل من حقنا أن نحتفي على الأقل بما تحقق في خبرتنا المعاشة، لكن بشيء من الحرص. فخبراتنا التاريخية، حتى قصيرة المدى منها، تكشف لنا أن ذلك التقدم المثبت ما زال هشاً، وقابلاً لتغيير اتجاهاته. فخلال الأعوام القليلة الماضية، شهدت منطقتنا عودة سبي النساء، وأسواق الجواري، وصعوداً لتجارة الرقيق الأبيض ودعارة الأطفال في بعض دول العالم والتي بلغت أعلى معدلاتها منذ النصف الثاني من القرن العشرين، فيما اتسع الفارق بين نسب المواليد الذكور والإناث في كل من الصين والهند، وأخيراً وصل إلى زعامة " العالم الحر"، رجل لا يبدو مؤيدوه منزعجين إطلاقاً من تصريحاته الذكورية والعنصرية.

في النهاية، ربما ما يجب أن يثار، ليس إن كان وضع المرأة قد أصبح أفضل من الماضي أم لا، بل كيف كان يجب أن يكون وضعها في زمننا هذا؟ ولماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت حتى تحصل النساء على حقوق بتلك البديهية؟ وكيف نقبل إلى اليوم بكل هذا الظلم الذي ما زالت تتعرض له النساء بفعل ما تبقى من المقومات الأبوية للمجتمع؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024