الاقتصاد المصري يتعافى؟

شادي لويس

الثلاثاء 2017/11/14
عدلت مؤسسة "ستاندرد آند بورز"، قبل أيام، نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري، من مستقر إلى إيجابي، وهو الارتفاع الأول للتقييم الائتماني لمصر منذ العام 2011. جاءت الأخبار السارة للحكومة المصرية، على خلفية تقرير بعثة المراجعة الثانية لصندوق النقد الدولي. لكن الأمر لا يقتصر على ثناء اللجنة على السياسات المالية والنقدية للحكومة المصرية، واعتمادها دفعة إضافية من برنامج القروض، بقيمة ملياري دولار. فخلال الأيام العشرة الأولي من الشهر الجاري، كانت قد توالت الأخبار المبشرة بتحسّن أوضاع الاقتصاد المصري.

فمن جهته، أعلن البنك المركزي ارتفاع احتياطي العملة الصعبة، في أكتوبر، للشهر الثالث على التوالي، ليصل إلى أكثر من 36 مليار دولار، عائداً إلى معدلاته قبل 2011. وفي الوقت نفسه، انخفضت معدلات التضخم في الشهر نفسه، للشهر الثالث على التوالي أيضاً. وفي ما يخص القطاع النفطي، أعلنت وزارة البترول المصرية، قبل أسبوع، ثقتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز الطبيعي بنهاية العام المقبل في أقصى تقدير، واتجاهها لإغلاق واحدة من محطتي تسييل الغاز المستورد لهذا السبب، كما أعلنت تسديدها ديوناً بقيمة 2.2 مليار دولار من ديونها لشركات النفط الأجنبية، واتجاهها إلى خفض ما تبقى عليها من ديون خلال العام المالي الجاري. وفي الأسبوع نفسه، أعلنت هيئة قناة السويس ارتفاع إيراداتها، مقارنة بالعام السابق، بنسبة 3.4%، فيما صرّح البنك المركزي بارتفاع تحويلات المغتربين، بنسبة 24.4% على أساس سنوي، وأضافت وزارة السياحة أن إيرادات البلاد من القطاع السياحي، قفزت بنسبة 212%، وأن عدد السياح ارتفع بمعدل 55% مقارنة بالعام السابق.

تأتي تلك البيانات الإيجابية، مواكبة لانخفاض العجز التجاري بنسبة 8.4%، وهبوط عجز الموازنة العامة من 12.5% في العام السابق إلى 10.9% في السنة المالية 2016- 2017، وارتفاع الصادرات بنسبة 16%، والنشاط الصناعي بمعدل 43% على أساس سنوي، بالإضافة إلى ارتفاع النمو السنوي بمعدل 4.2% في السنة نفسها، متجاوزة نسبة 3.5% التي كانت متوقعة من قبل الحكومة وصندوق النقد.

لكن، ورغم كل تلك المؤشرات التي تبدو إيجابية للوهلة الأولى، فإن معدلات التضخم، وإن انخفضت، تظل شديدة الارتفاع، متجاوزة 30%. وباستثناء تحويلات المغتربين، فإن الموارد الأخرى، سواء قناة السويس أو السياحة أو الصادرات، وكذلك معدلات النشاط الصناعي، تظل أقل مما كانت عليه في العام 2011، بل وحتى أقل من العام 2015، في معظم القطاعات. كما أن انخفاض العجز التجاري، وعجز الموازنة، يأتيان على حساب ارتفاع الدين الخارجي بنسبة 41.6%، إلى 79 مليار دولار، وارتفاع الدين المحلي بنسبة 20.6% في عام واحد فقط، وانخفاض ركودي وتقشفي في معدلات نمو الاستهلاك الحكومي والخاص، صاحبَها تراجع في استهلاك الطاقة بنسب 4% في البنزين، و7% في السولار. بل إن قيمة الاستثمارات الأجنبية، التي تم اجتذابها في العام 2016-2017، وُجِّه معظمها، أي حوالي 18.8 دولار، للاستثمار في أدوات الدين الحكومي، لا أكثر.

ورغم أن تلك المؤشرات تحمل دلالات متناقضة وغير حاسمة، فإن الحكومة المصرية، من الناحية السياسية، تبدو بالفعل وقد نجحت في تجاوز مرحلة سابقة من التخبط الكارثي في السياسات النقدية والمالية، وفرض برنامج لتغييرات جذرية وقاسية في السياسات الحكومية، ونظام الدعم، والعقد الاجتماعي للدولة، وشكل الاقتصاد المصري إجمالاً. وهو ما قوبل بقدَر يكاد لا يذكر من الاضطرابات الاجتماعية، على غير ما كان مفترضاً. وبعد عام من تعويم سعر الصرف، تحقق خلاله قدرٌ لا بأس به من الاستقرار في سعر العملة المحلية، مع تكلفته الاجتماعية الباهظة، تبدو الحكومة المصرية اليوم في موقع أقوى، للمضي قدُماً في برنامجها التقشفي، واستكمال المرحلة الأخيرة من رفع الدعم عن الوقود والطاقة، بشكل كامل، وإعادة هيكلة قوانين الخدمة العامة والاستثمار، في المستقبل القريب جداً. ومع أنه من المرجح، أن تؤتي تلك الخطوات ثمارها، في المدى القصير، لجهة تخفيف الضغط على الموازنة العامة، وتحسين المؤشرات الإجمالية للاقتصاد المصري، فإن تعافياً اقتصادياً ستسقط كلفته على كاهل القطاعات الأكبر من المصريين، الأقل دخلاً، ولن تصب بالضرورة في مصلحة النظام.

فزوال تهديد الانهيار الكامل الذي كان يحوم حول الاقتصاد المصري، قبل أقل من عامين، وتجاوز حالة الأزمة الطارئة، عبر تحقيق ارتفاع متوقع في مداخيل السياحة والصادرات والنشاط الصناعي، وربما الاستثمارات الأجنبية أيضاً، له أن يحفز قطاعات معتبرة من المصريين للضغط على الدولة في سبيل إعادة توزيع مردودات ذلك التحسن النسبي، وتعويضهم عن التضحيات غير الاختيارية التي يبذلونها في سبيله، أو على الأقل مبادلاتها بمكاسب على مستوى التمثيل السياسي، وكفاءة الخدمات العامة، وشفافية الإدارة الحكومية.

تظل تلك الطموحات مرهونة بقدرة معارضي النظام، ومنتقديه، على تحويل رهاناتهم السابقة على فشل النظام وانهياره اقتصادياً، في المدي قصير، إلى عكسها تماماً، والاستعداد لمفاوضات المدى الطويل، على مكاسب تعافٍ اقتصادي مأمول، وعلى توزيع كلفته بشكل أكثر عدالة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024