أي اقتصاد مع باسيل والحريري؟

مهند الحاج علي

الجمعة 2018/01/05

في ثنايا الطبقة السياسية التقليدية الخارجة من رحم الحرب الأهلية والميليشيات والاقطاع، يُحاول رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وصديقه الجديد وزير الخارجية جبران باسيل، التميّز. هما شابان مقارنة ببقية أركان هذه الطبقة، ولديهما هدف مشترك: إثبات النفس وإزالة كل التحديات لسلطتهما.

ورغم أن كلاً من باسيل والحريري يتزعم تياراً سياسياً طاغياً في كل من طائفتيهما، إلا أن هذه القيادة لم تخضع لمعمودية النار والدم المعهودة في لبنان. هناك شريحة واسعة في كل من التيار الوطني الحر والمستقبل وفي أوساط مؤيديهما، على قناعة بأن كلاً من باسيل والحريري غير أهل للمسؤولية ولهذه القيادة، وهما أقل قدرة من زعماء بقية الطوائف. وبالتالي فإن بقاء أي منهما متربعاً على عرش الطائفة، ليس سوى رهن العثور على بديل يملك الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة ومنها المال والرعاية الإقليمية، أو أن يـحققا سوية إنجازات تؤسس لزعامتيهما.

مثل هذه الانجازات قادرة على أن تعبّد الطريق الى الزعامة، ولا شك أن للرغبة في تحقيقها، دوراً في التقريب بين الشابين. ففي عالم أحلام باسيل، وهو الموثّق في كتاب مصوّر للأطفال أعدته وزارة الطاقة في عهده، يُتوّج باسيل بطلاً حقق عبر حقيبته السابقة انجازات عابرة للأجيال.

في هذه المساحة المتناقضة بين الواقع والطموحات، وبعيداً عن السياسة، تنمو صداقة باسيل والحريري ويتعزز حلفهما الاستراتيجي. هذا التحالف عماده قناعة ذاتية بقدرة هذا الثنائي السياسي، على تحقيق انجازات اقتصادية كبيرة، وتجاوز العقبات السياسية الأساسية لذلك.

والاقتصاد هنا أساسي والتفكير به صائب. لكن المشكلة تكمن في السقف العالي للتوقعات، سيما في ظل سجل الرجلين الحافل بالعجز عن انجاز المشاريع الكبرى من الكهرباء الى الاتصالات التي تُراوح مكانها على مدى سنوات.

حتى اليوم، وبعد اكثر من عام على العهد، تبقى الإنجازات المُحتفى بها ورقية فحسب، من قانوني الانتخابات والشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى تلزيم أول بلوكين بحريين. في الحالات الطبيعية، ليس التوقيع انجازاً، وبخاصة لو حصل بعد صفقات جانبية وفي ظل انعدام للشفافية.

على هذا المنوال، كان أحد أبرز "انجازات" هذا الثنائي في نهاية العام اعادة تفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

تقضي فكرة المجلس  المنصوص عليها في اتفاق الطائف، أن يلعب دوراً استشارياً في صوغ السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

لكن المجلس المولود الذي اعتبره الحريري "انجازاً اضافياً لحكومة استعادة الثقة التي نعمل على استعادتها بالفعل لا بالاقوال"، شُكّل من أقارب مسؤولين حاليين وسابقين، وحزبيين، بما يُنبئ بدور غير فاعل. بحسب التجارب السابقة، فإن التعيينات التوافقية في المجلس أقرب الى جوائز ترضية، ولا علاقة لها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فهل يستمع أعضاء الحكومة اللبنانية الى نصائح مجلس يضم كوادر من أحزابهم وأقارب لمسؤوليهم ومستشارين سابقين لهم، أم أن الأخير بات، ككل مؤسسات الدولة، مطية لتمرير الصفقات والتصفيق للحكومة؟ الأرجح أن يلعب المجلس، بصفته الاستشارية هذه، دوراً مشابهاً للنقابات المشلولة في القطاعات كافة. هذا الإنجاز هو مؤسسة جديدة فحسب تُشبه السلطة بمكوناتها، وتنضم الى باقة الديكور الحكومي، الى جانب مصلحة سكك الحديد.

لن يطرح المجلس أسئلة صعبة ومطلوبة في خصوص المساعدات والاستثمارات المرتقبة من مؤتمر باريس، ولن يطالب بإجراء أي مراجعة أو نقد ذاتي لما حصل من أخطاء في الماضي، وأين طارت المشاريع الكبرى وأموال المؤتمرات السابقة.

لكن هذا الواقع المرير المُكرر والمُرهق لا يُفرمل التصريحات والتوقعات الوردية. بيد أن باسيل، وهو الحالم الأكبر في العهد الحالي، أطلق قبل أيام سلسلة تصريحات عن الاقتصاد، لامست الفضاء! قال إن "المطلوب الذهاب الى ​اقتصاد​ متطور يُشبه ابداع اللبنانيين وتطورهم"، لأن "الكهرباء​ و​المياه​ والنقل أمور بديهية وواجب على الدولة تجاه اللبنانيين". "المطلوب هو أن نذهب إلى اقتصاد متطور في الالكترونيات و​الذكاء الاصطناعي​ وتصدير المنتجات".

لكن وبناء على ما سبق من سياسات، كيف سيُترجم هذا الكلام الى "إنجاز" جديد؟ ترقبوا تشكيل مجلس جديد للذكاء الاصطناعي من أهل البيت!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024