آلية لإصلاح الثورة

علي العبدالله

الأربعاء 2017/01/11

أثارت هزيمة فصائل المعارضة المسلحة في معركة حلب ردود فعل غاضبة بين حواضن الثورة ومجتمعاتها على خلفية شعورها بالخذلان وضياع تضحياتها والأثمان الباهظة التي دفعتها على طريق استرداد الحق في الحرية والكرامة، تجسدت في توجيه اللوم والنقد الحاد الى المعارضة، بمستوييها العسكري والسياسي، وتحميلها المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع (هزائم عسكرية، قادت الى تآكل المكاسب الميدانية، ترتب عليها هوان سياسي أدى الى تحوّل في المواقف العربية والإقليمية والدولية قاد الى تغييب جذر القضية وتجويف مطالب الثورة ضمن الحلول المقترحة من قبل بعض الدول والقوى المحلية) ومطالبتها بتغيير شامل في هياكلها وطرق عملها وأدائها.

جاءت استجابة المعارضة المسلحة للضغوط والمطالبات نمطية: دعوات محلية لتوحيد فصائل منطقة هنا وأخرى هناك، ودعوات لتوحيد شامل لفصائل الجيش السوري الحر، بالإضافة الى مشروع حركات السلفية لتجيير المناخ والمطالبة بالعمل على توحّدها في جسم عسكري وسياسي وتبرير العملية شرعيا، حلول طرحتها الفصائل مرات سابقة دون أن تنجح في تنفيذها، ما يعكس حالة جمود فكري وانعدام الخيال وضعف القدرة على إبداع الحلول.

استجابة المعارضة السياسية لم تخلو هي الاخرى من النمطية، ناهيك عن الغرابة والشذوذ حيث جنح البعض الى الاستقالة من مواقعهم السياسية والإدارية، في تصرف صبياني ينم عن ذاتية فجة تحاول التبرؤ من المسؤولية وتحميلها للآخرين، أفرادا ومؤسسات، بينما تنطح البعض الآخر الى تبني الدعوة الى عملية إنقاذ للثورة وإعادتها الى عنفوانها الأول عبر تصور أساسه استبدال مؤسسات عسكرية وسياسية بالمؤسسات القائمة، وطرح آلية لتحقيق الهدف: لجنة تحضيرية وإعداد أوراق سياسية وخطط لتحويل الفصائل الى جيش وطني، والمستوى السياسي الى قوة جادة ومسؤولة وفعالة .

لاشك ان مؤسسات المعارضة القائمة (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الهيئة العليا للمفاوضات، المجلس العسكري .. الخ) ليست على مايرام، فهي، لاعتبارات بنيوية وعملية، تعاني من هشاشة وترهل مزمنين بسبب الدوافع والتصورات التي وقفت خلف إقامتها والقوى التي تتحكم بها، تديرها أو توجهها، إن من خلال آلية الدعم او الاختراق، ما جعلها عاجزة عن المبادرة ودفعها الى حالة استسلام لتوجيهات الدول الراعية. لكن استبدالها بأخرى لايضمن نجاعة الجديدة في ضوء معطيات الوضع الراهن على الصعيدين العسكري والسياسي فالفصائل المسلحة لم تخسر آلاف المقاتلين ومساحات جغرافية واسعة وحيوية لوزنها ودورها فقط بل واعتادت نمطا من العلاقات والممارسة أفقدها القدرة على التحرك المستقل وتحدي رغبات القوى الصديقة قبل العدوة. المؤسسات السياسية، التي يعيش معظم عناصرها خارج سوريا يقيمون في  دول وتحت إشراف ورقابة أجهزة سياسية وأمنية في إطار علاقات زبائنية وتبعية مباشرة اضطرتهم لها ظروف المنفى، تتحسس مواقع أقدامها قبل التفكير في أي خطوة سياسية او إدارية تعتزم القيام بها في ضوء تشابك القوى والعلاقات والمصالح وانعكاسها المباشر على أوضاعها كأفراد وجماعات ومؤسسات، وما ترتب على كل ذلك من ضياع للاستقلالية والصدقية الفردية والمؤسساتية.

غير أن وجود مبررات لدعوة الإصلاح لا تكفي لنجاح العملية ما لم ترتكز الى أسس وتصورات منطقية وعملية في آن، خاصة أن محاولات جرت في السابق دون أن تنجح في إنقاذ الثورة بتحريرها من نقاط ضعفها وإخراجها من حالة الجزر التي تعيشها، ما يستدعي دراسة المحاولات السابقة وكشف العوامل التي قادت الى فشلها ووضع تصورات وخطط نسبة نجاحها عالية. لعل استعادة ثقة حواضن الثورة وكسب تأييدها ومباركتها أول مستدعيات نجاح دعوة الإصلاح، وهذه تتطلب أكثر من مجرد الدعوة الى الإصلاح والحديث عن ضرورته وأهميته، تستدعي آلية عمل توفر فرصة لاستعادتها، وهذه تبدأ من الخطوة الأولى: إطلاق الفكرة، بحيث يتم التشاور مع جمهور الثورة وكوادرها حول ضرورة الإصلاح، وعدم الاكتفاء بالحديث عن العملية والبدء بالتنفيذ دون موافقة حواضن الثورة ودون مشاركتها، فاستعادة الثقة تقتضي الشفافية والانفتاح على الحواضن بالتشاور والحوار الجاد والمسؤول. بعد خلق رأي عام حول الاقتراح يتم تشكيل لجنة تحضيرية عن طريق دعوة القادرين من كوادر الثورة على الترشح، دون اعتبار للتنظيم أو الجهة التي ينتمي إليها، وعدم حصر الترشح بأصحاب الدعوة ومحازبيهم، كما جرت العادة، هنا قد نواجه مشكلة عدد المترشحين فيتم اختيار لجنة تحضيرية بالانتخابات المباشرة من قبل المترشحين أنفسهم، يليها تحضير التصورات والاقتراحات، هنا أيضا يتم اعتماد آلية منفتحة بدعوة الكفاءات الى تقديم تصوراتهم وأفكارهم الى اللجنة التحضيرية والابتعاد عن التفكير الحزبي أو النخبوي، وإحالة التصورات والاقتراحات الى اللجنة التحضيرية التي تكلف كفاءات من داخلها لتبويب الموضوعات والاقتراحات وتنسيقها وإخضاعها الى عملية غربلة أولية وإحالتها بعد الغربلة الى لجنة صياغة، لتعود على شكل أفكار وخطط تعرض على اللجنة التحضيرية مجتمعة قبل طرحها على الحواضن الشعبية والرأي العام الوطني. وأما ثانية وسائل استعادة الثقة فالتفاعل مع الداخل عبر الزيارات الميدانية الدورية والالتقاء مع حواضن الثورة في جلسات مفتوحة والالتقاء بالكوادر الفاعلة في لقاءات مغلقة، والتواصل مع جمهور الثورة في المناطق التي لا تسيطر عليها المعارضة عبر الزيارات السرية أو عبر وسائل الاتصال الحديثة، علما ان الإقامة الدائمة على الأرض السورية ذروة التفاعل والتعايش والاندماج.  

تحتاج عملية استعادة الثقة الى فرشة ترطب الأجواء وتفتح الطريق بقيام أصحاب الدعوة بحملة علاقات عامة تكسر حالة القطيعة والمفاصلة والعزلة تبدأ بتقديم كشف حساب من كوادر الصف الأول، وخاصة الذين تسلموا مسؤوليات قيادية، عن المرحلة السابقة والاعتراف بالتقصير والأخطاء الفردية والمؤسساتية وبنقد ذاتي علني للممارسات العصبيوية والنخبوية غير الشفافة وغير الديمقراطية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024