بوتين و"بلاشفة" إيران

بسام مقداد

الثلاثاء 2018/01/09

لم يستفض المسؤلون الروس والمواقع الإعلامية الروسية الرسمية في الحديث عن الحدث الإيراني . واقتصر الأمر على مقاربة الحَراك الإيراني كحدث "يصعب فهم طبيعته" ، تراوحت تسميته بين فوضى وقلاقل واضطرابات تقف وراءها يد الغرب ، الذي يريد "فرض ديموقراطيته على الشعوب" . وذكَر فتوة الكرملين الشيشاني رمضان قاديروف الغرب بديموقراطيته ، التي "أراد زرعها في كلٍ من ليبيا والعراق وسوريا واليمن" . وتمحور السلوك الروسي في مجلس الأمن والمحافل الدولية الأخرى حول "يد الغرب " هذه ، حيث بدت روسيا مستميتة في الدفاع عن نظام الملالي، الذي تبنت مقولة مرشده الأعلى خامنئي حول وقوف الغرب و"أعداء الشعب الإيراني" وراء احتجاجات الشارع الإيراني ضد هذا النظام .

هذه الصورة ، التي حاولت روسيا الإفادة منها إلى أقصى الحدود في مجابهتها مع الولايات المتحدة والغرب عموماً ، لم تكن هي عينها في الداخل . فلم يكن "الصمت الرسمي" ينطوي على تأييد مطلق لنظام الملالي ، بل كان ينطوي على الخشية من انعكاسات الحدث الإيراني على الداخل الروسي ، وخصوصاً المسلم منه ،  وجرى تبني طرح الرئيس الإيراني حسن روحاني من أن ثمة ، بالفعل، ما يشكو منه الإيرانيون ويجب معالجته . وذهب مستشرق روسي إلى القول ، بأن الشعب الإيراني قد تعب من سيطرة النظام الديني ، ويستحق ما هو أفضل . وقال ، بانه يعتقد بأن الشعب الإيراني أخذ ينفذ صبره ، وأخذت تضعف قدرة رجال الدين على حكم إيران ، وسوف تظهر التطورات اللاحقة قدرة النظام الإيراني على إصلاح نفسه في ظروف الأزمة الراهنة .  وأشار إلى أن تأثير الحدث الإيراني على الوضع الداخلي في روسيا ضعيف ، بسبب ضآلة الوجود الشيعي في روسيا ، لكن الأمور مرتبطة بتطور الإحتجاجات الإيرانية ومدى اتساعها ، عندها "كل المفاجآت ممكنة" .

و في موقع إخباري أوكراني ، يقارن ألكسنر سماليانسكي بين إيران ورافع الأثقال ، الذي يصاب بتمزق العضلات جراء رفع أثقال تفوق قدرته ، ويقول بأن احتجاجات الشارع الإيراني المفاجئة ، هي تمزق عضلات النظام الإيراني بسبب مبالغته في طوحاته التوسعية في المنطقة . ويقول ، بأن هذه الإحتجاجات تذكر ببداية نهاية الإمبراطورية الروسية في العام 1917، حيث اندلعت الثورة بسبب التعب من الحرب الطويلة ، وعشية الإنتصار على ألمانيا ، تماماً ، كما اندلعت الإحتجاجات الإيرانية عشية انتصار نظام الملالي في سوريا . وعلى الرغم من إعلان بوتين نفسه منتصراً في سوريا ، إلا أن المنتصر الحقيقي هناك هم آيات الله ، الذين نجحوا في جعل بوتين يسحب لهم الكستناء من النار السورية ، بواسطة طائراته المقاتلة . ووضع الروس في سوريا يشبه تماماً وضع الأميركيين في العراق ، حيث سحب الإيرانيون السيطرة على العراق من "تحت أنوفهم" .

وعلى العكس من الرأي الشائع ، بأن بوتين سوف يحاول الحؤول دون سقوط نظام الملالي ، يقول الرجل ، بأن الوضع الأفضل ، بالنسبة لبوتين ، هو دفع إيران إلى حالة فوضى دائمة ، قابلة للتحكم بها ، ووضع الدست الإيراني فوق نار خفيفة جداً ، تسمح للإيرانيين بالإحتفاظ بجزء من قواتهم في سوريا ، إنما لا يمكنهم من الإستمرار في الضغط على الأسد لصالحهم . ليس بوسع بوتين ، لا مالياً ولا سياسياً ، الحلول محل "الخراف الإيرانية" المستعدة للذبح ، إذ أن المجتمع الروسي ، على قول الرجل ، ليس أقل رفضاً للمغامرة السورية من المجتمع الإيراني . وأشد ما يخشاه بوتين ، بالفعل ، هو تكرار السيناريو الإيراني في روسيا ، إذ أنه دفع غالياً ثمن قمع احتجاجات العامين 2011 – 2012.

في خضم التعليقات الكثيرة للمعارضين الروس على الحدث الإيراني ، كان يمكن تجاهل هذا المعلق المعارض على صفحات موقع أوكراني ، لو لم يتزامن هذا الكلام مع مقالة في صحيفة الكرملين "vzgliad" شنت فيها هجوماً صاعقاً على الملالي في إيران . وصحيفة الكرملين لا تنطق عن هوى ، وهي ، كما وكالة نوفوستي ، لا تذيل مقالات كتابها بالتذكير ، بأن "آراء الكاتب فد لا تتطابق مع رأي الصحيفة " .

نقلت الصحيفة، عن مدون فيسبوكي قوله، ساخراً: "آيات الله سوف ينتصرون دون دعم وزارة خارجيتنا". يقول الرجل بأنه حين يقرأ مختلف الآراء لمواطني دولة "الشيطان الأصغر" حول إيران الصديقة ، وآيات الله الرائعين ، وعرى الروابط الروحية ، التي تشد الشعب الإيراني العظيم إلى سلطاته ، وسياستهم الخارجية الحرة والنزيهة وجهود الجواسيس الأميركيين ( المحكومين بالهزيمة ، على قوله ، ساخراً) في تنظيم ساحة ميدان(إشارة إلى الثورة الأوكرانية) ، حين يقرأ كل ذلك ، لا يستطيع إلا أن يتذكر قصة نشر مراسلات آية الله الخميني مع عدد من الرؤساء الأميركيين ووكالة المخابرات الأميركية في العام 2016 .

يقول الرجل ، بأن الكثير ، مما هو مضحك ، قد تكشف يومها. فما أن بدأت المشاكل عند الشاه ، حتى بادر الخميني ، الذي كان في منفاه في الضاحية الباريسية ، إلى الكتابة إلى الرئيس الأميركي جيمي كارتر يقنعه بموقفه الموالي للأميركيين. وكان ، قبل ذلك ، قد كتب إلى الرئيس كينيدي ، وهو كان لا يزال مقيماً في إيران.  

كان لدى الخميني ثلاثة مطالب من الأميركيين: العودة إلى إيران ، الضغط على حكومة بختيار وإجبارها على الإستقالة ، الضغط على الجيش وإجبار الجنرالات على التزام الحياد حيال الإسلاميين . مقابل ذلك التزم الخميني، على قول الرجل ، بعزل الجماعات الماركسية ، وانتقال إيران الهادئ إلى ما بعد الملكية والإعتدال وضبط النفس . وكان للأميركيين حساباتهم ، بالطبع ، حيث كانوا يعتبرون أن الخميني ضعيف ، وسوف يذوب وسط رجال الدين والملالي في مدينة قم، بعد أن يقوم بدور " الشخصية المتوازنة" بين العسكريين الطموحين والديموقراطيين الثوريين المفترضين  .

يقول الرجل ، إن ما جرى بعد ذلك كان عكس جميع الوعود ، التي قطعها الخميني على نفسه . إلا أن الخميني كان صادقاً جداً حيال الإتحاد السوفياتي، ولقبه ب"الشيطان الأصغر" ، الذي يعمل مع "الشيطان الأكبر". ويقول الرجل ، بأنه لا يفهم ما الذي يعجب "مواطنينا المحترمين في النظام الإيراني ؟ نحن ونساؤنا وأطفالنا وتقاليدنا وثقافتنا ، وكل ما نملك ، كنا وما زلنا ، وسنبقى عدواً ، بالنسبة لنظام آيات الله" .

المؤرخ الروسي الكبير أندريه زوبوف ، وفي تعليق له على الحدث الإيراني ، توقف عند شعار "الموت لروسيا" ، الذي رفعه المحتجون الإيرانيون ، ورأى ، أن من الطبيعي أن يرفع الإيرانيون هذا الشعار في وجه حليف النظام الديني الكريه ، بالنسبة لهم . ويرى ، أن ما أصاب ثورة الشعب الإيراني العام 1979 ، يشبه كثيراً ما أصاب ثورة الشعب الروسي في شباط/فبراير العام 1917. فقد بقي الشعب الإيراني طيلة عام ونيف يخرج في احتجاجاته إلى الشارع ضد نظام الشاه البغيض وإرهابه ، لكن الملالي ، بزعامة الخميني ، انقضوا على الثورة ، وأقاموا نظاماً دينياً، تخطى بإرهابه وعسفه نظام الشاه . وهذا بالذات ما حصل للشعب الروسي حين تفجر بوجه القيصر السفاح ، دون أن يكون لثورته أية قيادة أو زعامة . وجاء البلاشفة ، بزعامة لينين ، في عربة قطار ألماني ، وانقضوا على الثورة الروسية ، وأقاموا نظاماً ، لم تعرف البشرية مثيلاً له في الإرهاب والقتل والتعذيب ، وليس بوتين سوى سليل هذا النظام ، ولذا وجد في "بلاشفة" طهران حلفاء له .






©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024