أريد عُنفاً

محمد خير

السبت 2016/12/24
"العنف ليس حلاً لشيء"، هكذا يكتب أحد المعلقين تحت خبر اغتيال السفير الروسي في تركيا.

يسمي المعلّق نفسه "كارلوس لارا"، وهو لقب لاعب دولي مكسيكي سابق، واسم موسيقي أرجنتيني راحل. ثمة احتمال طفيف أنه ليس اسماً مستعاراً، ربما يكون الاسم الحقيقي للمعلّق هو كارلوس لارا، لكنه على أي حال يهتم إلى هذا الحد بخبر يقع على الناحية الأخرى من العالم، في الشرق الأوسط. يكتب تعليقه أسفل خبر اغتيال السفير: "العنف ليس حلاً، يمكنني تفهم الإحباط والغضب، لكن لا يمكنني التسامح معه".

لكن معلقًا آخر، في الموقع الأجنبي ذاته، يُفحم كارلوس بسؤال موجز: ألم يحل العنف مشكلة النازية؟

ويتابع ثالث بالوتيرة نفسها: ليس معنى أن العنف ليس لطيفاً، أنه لا يحل شيئاً، تلك أكذوبة علّمنا إياها آباؤنا في الصغر.

بالطبع، فإن هذين الأخيرين، لا يدافعان عن العنف تأييداً للقاتل، ولا لـ"الدولة الإسلامية" (لم تكن حتى قد تبنّت الاغتيال بعد). لقد دافعا عن العنف في المطلق، العنف كمفهوم. ولو أردنا وضع ذلك المفهوم في سياق، فهما في غالب الأمر، مع أعداد متزايدة من الجمهور الغربي، يريدان عُنفاً أكبر ضد المخاوف التي يثيرها أمثال ذلك القاتل، و"الذئاب المنفردة" التي أطلقتها أيديولوجيا التطرف الإسلامي في قارات العالم.

تلك النظرة العملية الباردة للعنف، بعيداً من المقولات "اللطيفة، وتعليمات الآباء"، لا يمكن فهمها بهذا التجرد، إلا بالعودة من عالم التعليقات الغربية إلى الشرق. فبالعنف، والعنف وحده غالباً، صمدت أنظمة وحشية عشرات السنين، وبعضها ما زال صامداً. وبالعنف كذلك، ارتأت قوى معارضة أن تواجه من أسفل، ذلك العنف الآتي من أعلى، ولم تثبت التجربة إلا أن الأنظمة الخبيرة في العنف استطاعت البقاء في كل مرة ما لم يطحها عنف أكبر بكثير. فقد قَمَع صدام حسين "انتفاضة الجنوب"، رغم خروجه مثخناً بجراحه من حرب الكويت، سَحَق صدام الانتفاضة بعنف غير مسبوق واستمر ونسله في حكم بغداد. وكان الأمر بحاجة إلى عنف دولي أشد بكثير، تحت عنوان "الصدمة والترويع"، ليطيح العنف الصدّامي في 2003، ويطيح معه استقلال البلاد كلها.

وكذلك، فصلت ساعات قليلة بين إنذار القذافي لـ"الثوار" بسحقهم، وقرار الأمم المتحدة التدخل الجوي في ليبيا. كان القذافي قد استوعب الضربة الأولى، وعاد يحاصر معارضيه في بنغازي مستعداً لدخولها في الليل، حين جاء الطيران الحربي من كل مكان يدكّ قواته بالعنف الهائل ويعيده إلى "ماسورة" لا تختلف كثيراً عن "حفرة صدّام".

ولم يواجه بشار في سوريا ذلك "العنف الأكبر"، وإنما كان من حظه أن واجه العنف "الأسوأ" المطبوع بالممارسات الوحشية لتنظيمات التطرف، ممارسات كانت تبعد عن بشار كل يوم شبح العنف الأكبر الذي يمر عادة عبر مجلس الأمن، إذا توافق عليه العالم، أو بقرار أميركي منفرد إذا اقتنعت واشنطن ببديل أفضل.

واليوم ينطلق العنف العدمي للإسلاميين، مهدداً احتفالات الكريسماس في كل مكان، استجابة لنداء "الخليفة" القابع في مكان ما قرب الموصل. وتماما كالمُعلِّقين اللذين أجابا "كارلوس لارا"، لا يقتنع المتطرفون إلا بأن العنف وسيلة ناجعة لـ"حل المشكلات". وهي النتيجة نفسها في استطلاعات الرأي التي تأخذ الغرب يميناً، يوماً بعد آخر. فيبدأ العام 2017 بهزيمة نموذج هولاند وميركل وأوباما، وغيرهم من "أصوات السلام". الآن، الكل يريد عُنفاً، شرط أن يكون أعنف من عنف الآخرين. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024