الإرهابي عسليّة

محمد خير

السبت 2017/01/07
ليست "العسليّة" واحدة من أشهر أنواع الحلوى المصرية فحسب. هي أيضًا لفظة تحبّب، تٌقال لأصحاب خفة الظل، وخفة الدم، وتوصف بها كذلك الفتيات الجميلات، وتستخدم كلفظة "مُعاكسَة" شعبية. والعسلية تُصنع من مواد لذيذة، العسل، والسكَّر، والسمسم، فلا غرابة في أنها الحلوى المفضلة للأطفال علانية، ولبعض الكبار سراً. ومنها اكتسب عادل، اسم شهرته، إذ وقف يبيعها في الطريق أكثر من 10 سنوات، حتى صار اسمه "عادل عسليّة".

على مقعد المقهى، انتظر عادل أكثر من ثلاث ساعات، وشرب ثلاثة فناجين متتالية من القهوة. ولاحظ "القهوجي" (كما يقول في تصريح لجريدة "اليوم السابع") أن هذا الغريب يصرّ على دفع ثمن كل فنجان أولاً بأول. فسأله مندهشاً لماذا لا يدفع "الحساب" مجمّعا في النهاية، فأجابه بأنه قد يغادر في أي وقت، ولا يريد أن يغادر "مديوناً". وبالفعل، غادر فجأة، عَبَر الشارع بخطوات سريعة متجهاً إلى المحل المواجه الذي يبيع المكسّرات والخمور، المحل الذي جلس أمامه مالكه، يوسف لمعي، يدخن النارجيلة مطمئناً. ودليل اطمئنانه أنه جلس وقد أعطى ظهره للطريق، فلم ير الرجل وسكينه الطويلة، وإنما شعر بألم حاد مفاجئ في رقبته، وربما لم يَدرِ أبداً أنه كان يُذبح. بعد ثانيتين، فّر القاتل كما أراد، من دون أن يترك وراءه "دَيناً" في المقهى. لم يترك سوى جثة القتيل ودمائه.

ربما لولا كاميرا المراقبة التي كان القتيل قد ركّبها في محله، لما عُرف القاتل أبداً. كانت توجيهات أمنية قد عممت على المتاجر، تركيب كاميرات مراقبة. لكن القتيل، كما يقول نجله، كان أسبق الجميع إلى تركيب الكاميرا. ربما إذاً، لم يكن مطمئناً تماماً. ربما طمأنه، ساعتها، وجود ابنه أمامه في المحل. لم تنقذ الكاميرا القتيل، لكنها قادت -وبسرعة- إلى القاتل. اسمه الثنائي عادل عبد النور. اسم يبدو، لسخرية القدر، قبطياً أكثر منه مسلماً. في اللحظات الأولى بعد الجريمة، وقبل أن تتضح أسبابها "الشرعية"، تحجج البعض بالاسم ذي الصبغة المسيحية للترويج بأنه خلاف بين "قبطييَن". وافترض أناس، ومواقع أخبار، أن وراء الجريمة "خلافاً ماليّاً"، وكأن الذبح في الشارع أمر دارج في الخلافات المالية، وكأن القاتل الملتحي، والقتيل القبطي، ومحل الخمور، أمور ثانوية لا تعني شيئاً. على أية حال، حسم القاتل الأمر بعد القبض عليه. في التحقيقات، قال إنه حذّر بائع الخمر من قبل، طالبه بالتوقف عن نشاطه، ولمّا لم يستجب "أقام عليه الحدّ".

لحظة توقيفه قبل الفجر، بعد مرور أقل من 24 ساعة على الجريمة، صرخ عسليّة في رجال الشرطة "الشيوخ يا باشا". سجّل صرخته في مقطع فيديو مجهول المصوّر. كان عادل يمشي في الشارع المظلم، يحيط به رجلا شرطة فاوضاه حتى استسلم إليهما. عبارته كانت، على ما يبدو، رداً على سؤال عمّن حرّضه على فعلته. لكن "الشيوخ " تبرأوا منه، وأهمهم الشيخ ياسر برهامي، أبرز زعماء الدعوة السلفية وأهمّهم في الإسكندرية حيث مسرح الجريمة. قال برهامي إن "الدعوة" تدين الحادث، وأن القاتل ربما كان "مريضاً نفسياً".

سيدفع "عسلية" إذاً، ككل إرهابي صغير، ثمن فعلته وحده، إذ ما زال "التحريض" بعيداً من المساءلة... طالما إنه ليس تحريضاً على التظاهر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024