أهلا بالروس

حسين عبد الحسين

الخميس 2015/09/24

الامبراطوريات لا تتعلم. لكل منها فيتنامها. الاتحاد السوفياتي عانى من المستنقع الافغاني وانسحب منه يجرجر أذيال الخيبة. الولايات المتحدة انفقت العقد الماضي وهي تجري نقدا ذاتيا حول "الغطرسة الامبريالية" وتعيد تشكيل رؤيتها للقوة العسكرية، وفاعليتها، ومدى قدرتها على تغيير الوقائع السياسية الى درجة دفعت الرئيس باراك أوباما الى الانكماش الكلي واستخدام القوة الأميركية من باب رفع العتب فقط.

وبين مستنقعي أميركا في فيتنام وروسيا في أفغانستان، وكارثة حرب العراق على الاميركيين، سقطت إسرائيل في فخ الغرور بقوتها، واعتقدت انه يمكنها استخدامها لفرض هندسة لبنان صديق، فاجتاحته في العام 1982، وخرجت منه مهزومة مرارا.

وبعدما أحرقت أميركا اصابعها في أفغانستان والعراق، فانكفأت وتركت النظام العالمي يدير نفسه، قفزت القوى الأصغر صاحبة الاحلام الإمبراطورية. إيران كانت السباقة واعتقدت ان غرور القوة، الذي ابتلى فيه الإسرائيليون في لبنان والأميركيون في العراق، لا يمكن ان يصيبهم. هكذا، سلطت طهران قوتها الميليشيوية على لبنان، أولا، ثم سوريا، فالعراق.

في كل من الدول الثلاثة، غرقت إيران، ولم يتمكن حلفاؤها، على الرغم من تفوقهم عسكريا واستخباراتيا وماليا، من فرض ارادتهم او هندسة أي من لبنان او سوريا او العراق على شكل "دولة المقاومة" التي ارادتها الجمهورية الإسلامية. في لبنان، كان لا بد من مخرج سياسي لاكتساح "حزب الله" لبنان في العام 2008، فكانت اتفاقية الدوحة، التي انقضت مفاعيلها مع حلول العام 2014، فعاد لبنان ليغرق في انقسامه السياسي وشلل دولته المميت.

وفي سوريا، حقق "حزب الله" والميليشيات الشيعية العراقية التابعة للإيرانيين نجاحات أولية، ثم ما لبثت ان اصطدمت هذه القوات بمحدودية القوة على التغيير، وغرقت في المستنقع نفسه والانقسام اللبناني.

وكما في لبنان وسوريا، حقق الحشد الشيعي التابع لطهران في العراق نجاحات أولية. ولكن مع مرور الوقت، استنفدت الميليشيات زخمها، وعلى الرغم من الدعم الجوي الأميركي، غرقت قوات الحكومة العراقية وإيران، فلم تستطع فك الحصار الذي يفرضه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) على بلدة حديثة منذ عام، وبدا ان اقصى الطموح العراقي – الإيراني – الأميركي هو استعادة مدينة الرمادي، في وقت صارت استعادة الموصل تبدو عملية شبه مستحيلة.

وبعدما انكفأت القوة الإيرانية، وتوصل الأسد الى قناعة مفادها ان هدفه الحفاظ على الجيب الأقلوي الذي يسيطر عليه في وسط وشمال سورية الغربي، أطلت روسيا عسكريا لتفرض رؤية جديدة تقضي بقيادتها تحالفا ضد داعش بمشاركة الأسد. وراحت موسكو ترسل المقاتلات والدبابات والمستشارين.

الامبراطوريات لا تتعلم، وروسيا منها، فلا يبدو ان موسكو تعرف بالضبط ما الذي ستجنيه بتورطها عسكريا في سوريا. إذا كان انتزاع اعتراف أميركا وأوروبا ببقاء الأسد، فهذا أمر لا يحتاج الى مجهود روسيا العسكري، فالعواصم الغربية متمسكة بالأسد في الخفاء منذ فترة. اما إذا كانت روسيا تعتقد ان بإمكانها القضاء على داعش من الجو، فالأجدى بها الحديث الى أميركا حول انعدام فاعلية الضربات الجوية ضد ميليشيا مثل داعش يختلط مقاتلوها بالسكان.

يبقى ان موسكو قد تظن ان بإمكانها ان تبني قدرات قوات الأسد الأرضية، وتقدم له غطاء جويا، فتنجح الأخيرة باستعادة السيطرة على الأراضي السورية والعودة الى ما قبل 2011. لكن نظام الأسد لم يسيطر يوما على سوريا كليا، بل لطالما انحصرت سيطرته على المدن، مع توصله لترتيبات مع زعماء العشائر السورية من الرقة الى منبج فإدلب شمالا، ومن حوران جنوبا الى تدمر وريفي حمص وحماة في الوسط. ومنذ 2011، انقلب معظم زعماء العشائر على الأسد، فاقتصرت سيطرته على المدن في الجيب الذي يسيطر عليه، خصوصا بسبب معاناة الأسد وحلفائه من نقص في عدد الجنود مقارنة بمعارضيهم، الذين يتمتعون بأفضلية عددية واضحة.

إذا، غير التهويل، من غير المفهوم ما الذي ترجوه موسكو من ارسالها قواتها ذات الأسلحة الحديثة والبراقة الى سوريا. فالأزمة السورية شائكة ومعقدة، ولا نصر عسكرياً يمكن ان يحسمها. ربما كان الأفضل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان يستشير من خال قبله انه يمكن لانتصاراته في القصير ويبرود ان تحسم الأمر، وان تحقق انتصارا كاسحا يعيد الأسد زعيما أوحد، وهي انتصارات تحققت عسكريا ولكنها لم تثمر سياسيا.

اقصى ما يمكن للقوة العسكرية الروسية تحقيقه في سوريا هو استيلاؤها على تلّة هنا او ممرّ استراتيجي هناك. عدا ذلك، من الأفضل للروس ان يتوقعوا انهم سيغرقون في مستنقع استمات الاميركيون للبقاء خارجه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024