هل يفعلها سامي الجميل؟

مهند الحاج علي

الإثنين 2016/08/22

 

في مقابلة تلفزيونية، قطع النائب سامي الجميل بأن حزبه ”الكتائب“ لبناني وليس مسيحياً. بعيداً عن الشعارات، يقف الحزب على مفترق طرق. للمرة الأولى منذ انطلاق الحرب الأهلية قبل 41 عاماً، يستقطب ”الكتائب“ شباباً مسلماً. 

وهذه نقطة تحول قد لا تقتصر فقط على ”الكتائب“، بل قد تتعداه لتنعكس على السياسة اللبنانية التي تشهد جموداً منذ عقود. لكن الأساس في مثل هذا التحول، أن يقترن بمراجعة عميقة تطال الماضي الذي يتمسك فيه الجميل الحفيد، وألا يرتكز مرحلياً على قضايا الفساد والسيادة والشباب. 

والواقع أن هناك فرصة حقيقية لخروج سامي من قوقعة ”الكتائب“ السابقة، إلى التأسيس لتنظيم لا طائفي. إلا أن من الصعب تصور ذلك حالياً في ظل خطاب الاحتفال بالماضي المسلّح وتمجيده والتلويح بالعودة اليه إذا اقتضى الأمر. فهذا الماضي الكتائبي، مهما حاول الجميّل تمجيده وتلميعه، يتضمن محطات مُظلمة للجميع، مسيحيين ومسلمين.

وفي لعبة الماضي هذه، يحرق الجميّل أوراقه الكثيرة. الاحتفال بالماضي يحصره بالقاعدة الكتائبية، وهي ليست محل إجماع مسيحي. حزبه هو الثالث مسيحياً بفارق كبير لمصلحة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. 

لماذا قرر الجميل تكريم مغاوير الكتائب عام ٢٠١٢؟ وهل سيحضر الأعضاء المسلمون في الكتائب حفلاً لتكريم مجموعة مسؤولة عن عمليات ذبح على الهوية؟ من الصعب تحديد الفائدة السياسية والشعبية من مثل هذا التكريم إلا خدمة لعصبية الحزبيين المؤيدين أصلاً.

مؤيدو النائب الجميّل يرون ضرورة في مثل هذه العودة للتاريخ لارتباط معقله المتني به. لكن هل هموم شباب بكفيا مثلاً على ارتباط بمغاوير الكتائب وبذكرى الحرب؟ لهؤلاء هموم أخرى يُلبيها أكثر الحراك السياسي والإصلاحي للجميّل حالياً، والخطاب السيادي ومطالبته بنزع سلاح ”حزب الله“. وهذه المواقف تجذب شباناً مسلمين كثيرين في بيروت ومدن أخرى، حُرموا من تمثل سياسي شبابي وإصلاحي يُشبه الخط السياسي الحالي للجميّل الحفيد. إلا أن مثل هؤلاء، الهاربين من احتفالات ”٦ شباط“ والتحرير وحرب الجبل وغيرها، لن يحضروا تكريماً لمن ارتكب جرائم ذبح على الهوية في المرفأ وعلى حواجز طيارة.

والتنصل من الإرث معضلة بحد ذاتها. فمن الصعب لزعيم جديد لحزب قديم، ما زال يجهد لبسط سلطته على المؤسسات الحزبية، أن يتطهر بشكل كامل من تاريخه وأسسه. ذكرى ”شهداء“ الحزب و”نضالاته“ تبقى أحد أسس خطاب الجميّل، يعود اليها لتوكيد مواقف جديدة، فهو يمزج بين أسلوبه الجديد وتاريخ الحزب. لا يرى تعارضاً بين "التوجه الاجتماعي" لحزبه وتاريخه، كما كتب الزميل ايلي القصيفي، لكنه يخشى المبالغة في خطابه الجديد على حساب توجهه السياسي-التاريخي. 

بيد أن هذه مقاربة ينقصها المنطق السياسي والتفكير الواقعي. لنفترض مثلاً بأن الجميّل حافظ على إرث ”الكتائب“، وذكرى حربها، وربى قاعدته الحزبية الشبابية على أسس الاحتفال بتاريخ فئوي. كم من الشرائح الجديدة سيستقطب؟ 

في أعظم الأحوال، يبقى محدوداً، لا يتجاوز خُمس المسيحيين، وهو رقم لا يستحوذ عليه حالياً. لكن المسيحيين ثلث سكان لبنان وناخبيه، وبالتالي، حتى لو تطور ضمن الإطار الاجتماعي-التاريخي الذي وضعه لنفسه، لن تتجاوز شعبية سامي وحزبه 6 % من السكان كأقصى حد. 

لكن ما البديل أمام هذا السياسي الشاب؟ هل هناك حل وسط بين عدم التخلي عن التاريخ والإرث، وبين جذب كتل جديدة من المؤيدين لشخصه وحزبه؟ الفارق بسيط بين الاعتراف بالواقع، وهو أن كل المشاركين في الحرب، وبينهم الكتائب، ارتكبوا مجازر لا يُمكنهم الاعتزاز بها، بل عليهم الاعتراف بالخطأ وبواجب عدم تكراره. قتل عمال المرفأ المدنيين لم يكن عملاً نضالياً بل جريمة حرب، ومذبحة على الهوية. والحقيقة أن الجميل لم يرتكب أياً من هذه الجرائم، ولم يكن جزءاً من هذه الحرب، فلماذا يحمل وزرها وثقلها؟

يُعد إقدام الجميّل على هذا الاعتراف والمراجعة، لو حصل، قفزة نوعية لا تخلو من مخاطرة. لكن بإمكانه احتواء مفاعيلها بالربط بين المجازر جميعها، وبنظرة أكثر واقعية وأقل مراهقة إلى تاريخ الحرب ودور ”الكتائب“ فيه. وهذا لا يعني أبداً التنازل عن رواية الحزب لانطلاق الحرب وأسس خوضها، بل انتهاج مقاربة مختلفة للعنف الطائفي-المذهبي فيها لكل الأطراف، وضحاياه مدنيون أبرياء. هناك شريحة واسعة من اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، ترى في شعارات ”المقاومة“ والتحرير وغيرها،  مجرد مقدمة لعملية نصب في السياسة، ناهيك عن كونها فئوية وقديمة.

والحال أن تبني التاريخ الفئوي يحد من الاحتمالات السياسية والشعبية لسامي. ليس هناك مبالغة في القول إن لمواقفه السياسية شعبية بين عشرات آلاف الشباب ممن لا ينتمون إلى طائفته، وبإمكانه لو أراد ضمهم لحزبه ومؤسساته. فمن يسحب وزراءه من الحكومة، ويفصل سجعان قزي من حزبه، ويشن هجوماً على الفساد والسلطة، قد يملك شجاعة موازية لمقاربة مختلفة وغير فئوية للحرب الأهلية والتاريخ. 

هل يفعلها سامي الجميل؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024